رؤية النبي صلى الله عليه وسلم
نعود لبداية الجهاد، فبعد أن رأى غازي محمد ملا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثلاث مرات يأمره ببدء الجهاد تحدث إلى الداغستانيين بهذا فأجابوه وجاهد الروس ثلاث سنوات من سنة 1829م، ثم حوصر في بلدته غمري هو وشامل ومن معهما، فقتل غازي محمد ملا، وهرب شامل.
ثم استطاع شامل أن يجمع فلول الداغستانيين ويبتدئ الجهاد ضد الروس سنة 1834 إلى سنة 1839م، وفي تلك السنة دل عليه بعض أمراء الداغستان الخونة وحاصره الروس بقوة ضخمة فيها مدافع لم يكن يملك الداغستانيون شيئاً حيالها، حيث كان الروس يدكون البيوت بها دكاً، لكن شاملاً استطاع الهرب أيضاً.
التوجه للشيشان
وبعد تفكير ومراجعة لأحواله في ظل خيانة أمراء الداغستان قرر التوجه إلى الشيشان، وهو معقل حصين جبلي كان أهله أقوى إيماناً من الداغستانيين وأوفى ذمة، وطبيعة الشعب الشيشاني الصعبة لا تسمح لهم بأن يرضخ بعضهم لبعض فكانوا بحاجة لرجل غريب يُسلسون له قيادهم فكان هذا هو الإمام شامل الذي استطاع أن يصل إلى القسم الجبلي من الشيشان، وجمع حوله فلول أتباعه من الداغستانيين الذين انهزموا من الروس، وبايعه أمراء الشيشان وقبائلهم، وأعلنوه إماماً عليهم له حق السمع والطاعة والجهاد معه في سبيل الله تعالى.
ولما سمع القيصر بهروب شامل وما صنعه في الشيشان استشاط غضباً وطلب من قائده حسم المعركة مع شامل فأرسل الجيوش إلى الشيشان، وعلى رأسها أعظم القادة وأكثرهم خبرة في الحروب مع الداغستانيين ومع نابليون، وقاومهم شامل ومن معه حتى اضطر القيصر لإرسال حملة عرفت بحملة «دارجو» وهي البلدة التي كان يتحصن فيها شامل وأمراؤه، وكان حولها غابات كثيفة جداً، وكان قائد الحملة يسمى «جراد» لكنه لم يتمكن من الوصول إلى «دارجو» حيث كمن له جيش شامل على أشجار البلوط الضخمة التي سبق وصفها، فكان فوق كل شجرة 40 - 50 من المقاتلين وكانوا يسكبون الزيت المغلي على الروس، ويرمونهم بالحراب والبنادق فحصدوا كثيراً منهم وفشلت الحملة وعادت أدراجها بعد خسائر ثقيلة .. ثم جرت مناوشات متفرقة بين شامل، وجراد.
خطة حربية محكمة
وبعد ثلاث سنوات في سنة 1845م أرسل القيصر حملة ضخمة قوامها ثلاثون ألف رجل بقيادة ضابط روسي فذّ اسمه «روندسوف»، فمكر به شامل حيث جعله يتقدم في الأدغال إلى أن وصل إلى البلدة التي كان يتحصن بها شامل، وترك فيها مجموعات قليلة لمقاومة «روندسوف» الذي تغلب عليها، وسوّى بيوت البلد بالأرض بمدفعيته الضخمة، وفي طريق عودته وكان فرحاً مسروراً بما صنع كان الشيشانيون ينتظرون جيشه في الليل فانقضوا عليه كالأسود، وقتلوا منهم خمسة وعشرين ألفاً فلم ينج إلا خمسة آلاف نصفهم جرحى، وقتل قواد روس كبار في المعركة.
شامل ومن معه كانوا من «الصوفية النقشبندية» الذين اشتهروا بالجهاد، وهي من أصفى الفرق الصوفية ومن أقلها بدعاً، وكان شامل ومن معه يسمون أنفسهم بـ «الحركة المريدية»، وكانت أصول الحركة المريدية تقوم على الشدة والقوة والفروسية وعلى الأذكار والأوراد، وضع شامل لجيشه نشيداً جهادياً جميلاً ينشدونه في معاركهم، وقد وصفتهم الكاتبة الأمريكية «ليزا» في كتابها «سيوف الجنة» وقالت فيه: إن الشيشانيين كانوا يتقدمون للمعارك مع الروس وهم يرتلون القرآن الكريم، وينشدون أنشودة الموت التي تبعث فيهم الحماس والقوة.
مكر الروس واستسلام المجاهد العظيم
بعد حملة «دارجو» الثانية عمد الروس إلى خطة ماكرة حيث لاينوا أمراء الشيشان ورعاتهم، وأمراء الداغستان فكانوا إذا أمسكوا بهم يطلقونهم ويكافئونهم بالأموال، وكانوا في المقابل يقسون على المجاهدين جداً، وبهذا تأثر كثير من عامة الشيشانيين والداغستانيين، وكان هذا من أوائل بوادر الإخفاق الذي حدث لشامل بعد ذلك.
ارتكب شامل سلسلة من الأخطاء، فقد كان رجلاً عسكرياً قوياً، شديد الشكيمة، صعب المراس، فكان يقسو أحياناً على أتباعه ويفرض حركته المريدية على الشيشانيين، فكان هذا يوجد نوعاً من التململ.
¥