فالنصرة الآن لا تكون بمواجهة السّابِّين, بدلالة هذه الآيات، فالنفوس تتحرك بما تعلم عن الله وليس بما تتصوره مِن ردة فعل تظنها صحيحة, وأكثر الصور المشهورة للنصرة مخالفة للنص، بل وليست مستندة إلى دليل، وقد جرّب القومُ مثلَ هذه الصور للدفاع عنه-صلى الله عليه وسلم-، فإذا النتيجة: المخالفةُ في ثلاثة أبواب:
·باب الأسماء والصفات، وذلك في ضعف الإيمان باسم الله "الكافي".
·باب الألوهية، حيث ظهر قوم يَدْعُون إلى تعظيم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورفعِه فوق منزلته.
·باب الأوامر، وذلك بتركنا ما أمرنا به في مثل هذا الحدث.
قد يقال: جرّبنا التوكل على الله فلم نُنصَر.
نقول: مثل هذا – القائل - لن يُنصَر؛ لأن الله- عز وجل - لن يُرِي أحدًا كفايتَه إلا إذا كان واثقًا به، والذي يعتقد كمالَ صفات الله عز وجل هو الذي يعتقد أن الله نِعْمَ الوكيل والنصير.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وصف هؤلاء المستهزئين بالشرك، ثم قال: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} نعلم يقينًا أن كلّ من استهزأ؛ سيريه الله نصرةَ نبيه-صلى الله عليه وسلم-.
وشاهد هذا موجود, فما تعرض أحد لجنابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أراه الله عاقبته في دنياه قبل آخرته.
و قد يطمئنُّ بهذا كثيرون، ويقولون: إذًا ليس علينا فعلُ شيء!
فنقول: قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} فلابدّ من الضيق، فلا يكون منّا البرود, وهذا الضيق محمود, فإن أرادوا تقليلَ قيمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نفوسنا، فالواجب أن لا تكون ردةُ الفعل إلا زيادةَ تعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ التعظيم الشرعي بلا غلو ولا جفاء.
فالقوم ينقسمون إلى شقين:
·قوم تأخذهم حميّة الجاهلية.
·وقوم تنزل عليهم السكينة، قد علموا أن الله سيكفيهم، بالرغم من الحرقة التي في قلوبهم.
و العمل هو كما قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ*وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، فهذه هي الدائرة العظيمة, وهي النصرة الحقيقية, فإذا ضاق صدرُك فتعبَّد لله، هم يزدادون طعنًا ونحن نزداد تمسكًا وتعلّقًا بالله-عزَّ وجل-.
1. {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}
قال الشيخ الشنقيطي -رحمه الله تعالى-: "وأصل التسبيح في اللغة: الإبعاد عن السوء. ومعناه في عُرف الشرع: تنزيه الله-جلَّ وعلا-عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله.
وقوله: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي: بالثناء عليه بجميع ما هو أهله من صفات الكمال والجلال.
فتستغرق الآية الكريمة الثناء بكل كمال؛ لأن الكمال يكون بأمرين: أحدهما: التخلي عن الرذائل, والتنزيه عما لا يليق, وهذا معنى التسبيح.
والثاني: التحلي بالفضائل, والاتصاف بصفات الكمال, وهذا معنى الحمد." [5] ( http://www.alrekab.com/vb/#_ftn5) ا هـ.
إذًا التسبيح: هو اعتقاد أن الله كامل الصفات, وتنزيهه عن النقائص في أقواله، وأفعاله، وما ينزله على العباد، وهذا يورث حسن الظن به تعالى.
فالمسبِّح لله لا يكون إلا محسن الظّن بربه, فلكي ننصر نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ نصرة حقيقية: يجب أن نحسن الظن بربنا، فأهل العلم يقولون أن: أول علامة زوال البلاء: زوال كل أحد سوى الله مِن قلب المبتلى، أي: يعلم أنه سيأتيه الفرج عندما ييأس مِن كل أحد غير الله، فعليك أن تحسن ظنّك بالله، و تسيء ظنّك بالناس من جهة العلم بحقيقتهم، وأنهم لا يملكون نفعًا ولا ضرًا.
لكن الواقع اليوم هو سوء الظن بالله، و من صور ذلك:
الشك بوعد الله، كمن يشك بنصرة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم, "فمَن ظنّ به أنه لا ينصر رسله, ولا يتمّ أمره, ولا يُؤيّده ويُؤيّد حزْبه ويُعليْهم, ويظفرهم بأعدائهم, ويُظهرهم, وأنه لا ينصر دينه وكتابه, وأنه يُدِيْل الشرك على التوحيد والباطل على الحق إدالة مستقرة، يضمحلّ معها التوحيد والحق اضمحلالا لا يقوم بعده أبدًا؛ فقد ظن بالله ظن السوء, ونسبه إلى خلاف ما يليق بجلاله وكماله وصفاته ونعوته, فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك, وتأبى أن يذل حزبه وجنده, وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به العادلين به, فمن ظن به ذلك فما عرفه ولا عرف أسماءه ولا عرف صفاته وكماله" [6]
¥