تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[العراق وأحفاد ابن العلقمي!!]

ـ[حسين العسقلاني]ــــــــ[12 - 10 - 08, 06:20 م]ـ

بقلم الدكتور راغب السرجاني حفظه الله

لعل من الظواهر التاريخية النادرة أن ينفرد قُطرٌ من الأقطار بتكرار تجربة تاريخية معينة بتفاصيلها وشخوصها، فالمعتاد أن التاريخ يكرر نفسه، ولكن يكون مسرحه العالم كله لا في بلدٍ محدد بعينه، ولكنَّ الظاهرة التي نتحدث عنها، تكررت في بلدٍ واحدٍ هو العراق بنفس التفاصيل، ونفس صفات الشخصيات.

وهذه الظاهرة هي وجود الوزير الخائن الذي يعاون المحتل الغاصب على بلوغ مراده من احتلال البلد المسلم، واستباحته والسيطرة على مقدراته، وقتل أهله، وخاصةً حاكمه السابق؛ فيقدمه للعدو شامتًا سعيدًا ليقتلوه، ثم يعينوه مكانه؛ ليصبح هو – فيما يظن - السيد المطاع.

إن أحداث هذه القصة قد جرت في العراق الشقيق المنكوب عند هجوم هولاكو بجيش التتار عام 656هـ على بغداد، حيث كان المعاون الأكبر والأكثر خطراً للتتار هو الوزير الشيعي الخائن مؤيد الدين بن العلقمي؛ فقد اتصل هولاكو بمؤيد الدين بن العلقمي، مستغلاً فساده وتشيعه وكراهيته للسنة، واتفق معه على تسهيل دخول الجيوش التترية إلى بغداد، والمساعدة بالآراء الفاسدة، والاقتراحات المضللة التي يقدمها للخليفة العباسي المستعصم بالله، وذلك في مقابل أن يكون له شأن في (مجلس الحكم) الذي سيدير بغداد بعد سقوط الخلافة، والتخلص من الخليفة .. وقد قام الوزير الفاسد بدوره على أكمل ما يكون .. وكان له أثر بارز على قرارات الخليفة، وعلى الأحداث التي مرَّت بالمنطقة في تلك الأوقات ..

فقد عَمَدَ هولاكو إلى أن يطلب من الوزير الفاسد (مؤيد الدين بن العلقمي) أن يقنع الخليفة العباسي (المستعصم بالله) أن يخفض من ميزانية الجيش، وأن يقلل من أعداد الجنود، وأن لا يصرف أذهان الدولة إلى قضايا التسليح والحرب، بل يُحوِّل الجيش إلى الأعمال المدنية من زراعة وصناعة وغيرها، دون كبير اهتمام بالتدريب والقتال والسلاح والجهاد!! وقد قام الوزير العميل مؤيد الدين العلقمي بذلك فعلاً، وهذا لا يُستغرَب من مثله، وقد قام الخليفة فعلاً – للأسف - بخفض ميزانية التسليح، وقام أيضاً بتقليل عدد الجنود، حتى أصبح الجيش العباسي المسلم الذي كان يبلغ عدده مائة ألف فارس في آخر أيام المستنصر بالله والد المستعصم بالله سنة640 هجرية، لا يزيد عن عشرة آلاف فارس فقط في سنة 654هجرية!! وهذا يعني هبوط مروع في الإمكانيات العسكرية للخلافة .. ليس هذا فقط بل أصبح الجنود في حالة مزرية من الفقر والضياع، حتى إنهم كانوا يسألون الناس في الأسواق!! وأُهمِلت التدريبات العسكرية، وفقد قواد الجيش أية مكانة لهم، ولم يعد يُذكَر من بينهم من له القدرة على التخطيط والإدارة والقيادة، ونسي المسلمون فنون القتال والنزال، وغابت عن أذهانهم معاني الجهاد .. !!

وقد كان مما أوحى به ذلك الشيطان ابن العلقمي إلى وليه هولاكو أن يشترط على الخليفة في المفاوضات أن يستدعى من بغداد بعض الرجال بعينهم، وهؤلاء هم الرجال الذين ذكر ابن العلقمي أسماءهم لهولاكو، وكانوا من علماء السنة، وكان ابن العلقمي يُكِنُّ لهم كراهية شديدة، وبالفعل تم استدعاؤهم جميعًا، فكان الرجل منهم يخرج من بيته ومعه أولاده ونساؤه فيذهب إلى مكان خارج بغداد عيَّنَه التتار بجوار المقابر، فيُذبَح العالم كما تُذبَح الشياه، وتؤخذ نساؤه وأولاده إما للسبي أو للقتل .. !! لقد كان الأمر مأساة بكل المقاييس.

كما أصدر هولاكو قرارًا بأن يُعيَّن مؤيد الدين بن العلقمي الشيعي رئيسًا على مجلس الحكم المعين من قِبَل التتار على بغداد، على أن توضع عليه بالطبع وصاية تترية.

ولم يكن مؤيد الدين إلا صورة للحاكم فقط، وكانت القيادة الفعلية للتتار بكل تأكيد، بل إن الأمر تزايد بعد ذلك، ووصل إلى الإهانة المباشرة للرئيس الجديد مؤيد الدين العلقمي، ولم تكن الإهانة تأتي من قبل هولاكو، بل كانت تأتي من صغار الجند في جيش التتار؛ وذلك لتتحطم نفسيته، ولا يشعر بقوته، ويظل تابعًا للتتر!!

وقد رأته امرأة مسلمة وهو يركب على دابته، والجنود التتر ينتهرونه ليسرع بدابته، ويضربون دابته بالعصا .. وهذا بالطبع وضع مهين جدًّا لحاكم بغداد الجديد .. فقالت له المرأة المسلمة الذكية: "أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟!! "

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير