تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الوجود الأندلسي بالمكسيك]

ـ[هشام زليم]ــــــــ[28 - 10 - 08, 01:46 ص]ـ

بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.

أما بعد:

سنة 1492م سقطت مملكة غرناطة المسلمة بيد الملكين الكاثوليكيين و بسقوطها اندثرت نهائيا دولة الإسلام بالأندلس بعد قرون من المجد و العزة و العطاء المستمرّ لحضارة أوربا التي ما كانت لتقف على رجليها (و تركلنا بهما ركلا بعد ذلك) و تنطلق في طريق العلم و النهضة لولا نهلها من كتب أهل الأندلس المسلمين سواء في ميادين الطب و الرياضيات والبيطرة و الصناعات ... إلخ.

و سنوات قليلة بعد رفع الصليب على أسوار و أبراج قصر الحمراء المنيعة, كشّر الصليبيون عن أنياب أعدّت خصيصا لافتراس شعب كامل برجاله و نساءه و أطفاله جريمته أنه مسلم موحّد لله تعالى و لم يستثنوا سوى من اعتنق النصرانية و أخلص لها, فليت شعري كيف يعرفوا إخلاص الرجل من عدمه و قد عُلم يقينا أنه لا يعلم ما في القلوب إلا الله؟ لحلّ هذه المعضلة أنشأ الصليبيون مجالس لمحاسبة الناس سمّيت محاكم التفتيش و لها اختصاصات لا تليق إلا بالله عز وجل. و كان هدف هذه المحاكم إقامة القيامة لمن شُكّ في إخلاصه للمسيحية. نعم لقد استمدوا نظام محاكم التفتيش من موقف يوم القيامة – جعلنا الله من الفائزين في ذلك اليوم - حيث يخاطبون المتهّم على أنه مذنب و لا ينفعه الاعتراف شيئا و يتمادون في تعذيبه بالحديد و النار و في نهاية التحقيق مع المتهم يحكمون إما بتوبته و دخوله للجنة (و لا ينال هذا الحكم إلا من أنفق ما يملك و ما لا يملك لخزينة المحاكم) أو جنايته و دخوله النار. حتى الموتى انتهكت حرمتهم و أخرجوا من قبورهم و ألبسوا الثياب و حوكموا محاكمة الأحياء و إذا ما ثبت تورّطهم أقاموا الحد عليهم فشنقوهم بداية حتى يموتوا (و الله ما أسفه عقول النصارى , الرجال موتى و هم يشنقونهم لقتلهم) ثم يحرّقون جثتهم زيادة في النكال.

أمام هذا الإرهاب الذي لم يعرف له التاريخ مثيلا إلى يومنا هذا, اضطر عدد كبير من المسلمين الأندلسيين إلى مغادرة إسبانيا إلى أي مكان لا توجد فيه محاكم للتفتيش الشيطانية (هكذا كانوا يصفونها) فعبر العدد الأكبر إلى بلاد الإسلام بشمال إفريقيا و ارتحل جزء آخر إلى فرنسا و منها إلى إسطنبول عاصمة دولة آل عثمان أنذاك. على أن أطول هجرة هي التي قام بها أولئك الأندلسيين الذين ارتحلوا إلى القارة الجديدة و بالتحديد إلى المكسيك اعتقادا منهم بعدم وجود محاكم الشيطان هناك , لكن خاب ظنهم لما وصلوا هناك حيث وجدوا الشيطان ومحاكمه قد أسسوا مراكز لهم هناك و خاصة محكمة التفتيش المرعبة san oficio.

لكن كم كان عدد أولئك الأندلسيين الذين اختاروا قطع المحيط فرارا من مخالب الصليبيين؟ لا توجد أعداد محددة تعطي صورة عن الوجود الأندلسي بالمكسيك نظرا لغياب الوثائق و تستّر الأندلسيين عن هوياتهم الحقيقية حتى لا يتعرّضوا للمجزرة.

و حتى نسلّط الضوء على حياة هؤلاء الناس في مكان هجرتهم بالمكسيك قبل 500 عام , رأيت تعريب بحث قيّم بالأسبانية كان قد قدّمه الدكتور عزيز أمحجور (الأستاذ بجامعة مدريد) خلال المؤتمر السنوي للدراسات المورسكية المنعقد بزغوان بتونس, و الدراسة بعنوان:

" La presencia morisca en Mexico: una tradicion silenciada

" الوجود المورسكي بالمكسيك: تقليد خامد"

و هذا البحث هو دراسة فريدة و شاملة لجوانب حياة الأندلسيين بالمكسيك و ظروف عيشهم هناك و تاريخ وصولهم و الآثار التي خلّفوها.

و قد قمت بتعريب البحث تعريبا لا يخلّ بمعنى الكلمات و يحترم مراد الكاتب من كلمته و جملته و اجتهدت في ذلك (طبعا قدر المستطاع و حسب معرفتي المتواضعة باللغة الإسبانية). و قد رأيت أن أضع على كل فقرة عنوانا لتكون دليلا لقارئ الموضوع و هو اجتهاد مني حتى يسهل تتبع الموضوع و قراءته و فهمه.

و قبل أن أنقل نص البحث, أريد أن أقوم بتعريف ثلاثة مفردات ذكرت كثيرا في البحث و هي المورو, المورسكيون و المدجنون.

- المدجنون: mudejar : هم أولئك المسلمون الأندلسيون الذين حافظوا على إسلامهم و عاشوا تحت حكم الكفار بالحواضر الاندلسية التي سقطت بيد النصارى.

- المورو moro: يطلق الأسبان هذه الكلمة على المسلم أندلسيا كان أو مغربيا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير