[مسجد طليطلة الجامع صار كاتدرائية طليطلة العظمى]
ـ[هشام زليم]ــــــــ[28 - 10 - 08, 05:41 م]ـ
[مسجد طليطلة الجامع صار كاتدرائية طليطلة العظمى]
بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.
أما بعد:
طليطلة تلك المدينة العتيقة, عظيمة القدر, جليلة الوضع, قديمة البناء, منيعة حصينة, كثيرة المياه و الثمار. دخلها الإسلام بدخول طارق رحمه الله إلى الأندلس سنة 91ه (711م) و كانت أول حاضرة إسلامية كبرى تسقط بيد النصارى في 6 ماي 1085م , في هذا اليوم فُتحت أبواب المدينة للملك ألفونسو السادس و لجنوده بعد حصار طويل انتهى باستسلام حكامها و أهلها بعد أن حصلوا من الإسبان على عهود بحفظ أنفسهم و أموالهم و أهليهم و بنيهم و شريعتهم و أن يحتفظوا بقضاتهم و نظمهم و تقاليدهم و أن يحتفظوا كذلك بالمسجد الجامع لطليطلة.
هنا أحس المسلمون بعظم الخطب و هول المصيبة و دنو الرحيل عاجلا أم آجلا فسقوط مدينة عظيمة كهذه لابد أن تتبعها مدن أخرى هي أقل منعة و حصانة من طليطلة , و ساد بين الأندلسيين جو شديد التشاؤم أدركه الشاعر عبد الله ابن فرج اليحصبي, فأنشد يقول أبياتا سادت فيها روح الإستسلام:
يا أهل أندلس حثوا مطيكم****فما المقام بها إلا من الغلط
الثوب ينسل من أطرافه و أرى****ثوب الجزيرة منسولا من الوسط
و نحن بين عدو لا يفارقنا ****كيف الحياة مع الحياة في سفط (1)
لكن الأندلسيين لم يحثوا مطاياهم و لم يغادروا الأندلس رغم بدء انسلال العقد بل و بقوا في طليطلة نفسها و عاشوا مدجّنين تحت حكم النصارى, خاصة وأنه كانت لملك إسبانيا ألفونسو شهرة احترامه للمواثيق و العهود إضافة إلى أنه كان قد قضى سنوات عديدة في طليطلة لمّا كانت بيد المسلمين حيث أكرموه و ساعدوه على استرداد عرش قشتالة.
يقول الدكتور نعنعي عبد المجيد في كتابه "الإسلام في طليطلة": (و لكن إلى أي حد كان ألفونسو السادس صادقا في نهجه المرن المتسامح مع المسلمين؟ و إذا كان حقا, و كما تؤكد المصادر الإسبانية, فهل كان قادرا على السير شوطا بعيدا في هذا المنحى المخالف لاتجاهات سائر المحيطين به من علمانيين و رهبان؟ ذلك أنه في الشهر التالي لدخول طليطلة و أهلها في طاعة هذا الملك غادرها في زيارة رعائية إلى أراضي ليون فأقدم من حوله و بصورة خاصة زوجته الفرنسية الأصل كونستانس و برناردو كبير الرهبان دير سهاغون و الذي سيصبح فيما بعد رئيس أساقفة طليطلة على اتخاذ قرار بتحويل مسجد المدينة الجامع إلى كاتدرائية خلافا للعهود و المواثيق الصادرة عن ألفونسو السادس. .. و بالرغم من المعارضة الشديدة التي أبداها حاكم المدينة سسندو و من امتعاض السكان المسلمين فقد تمت عملية تحويل المسجد بتهديم محرابه و إقامة مذبح مكانه كما رفع جرس على مأذنته بحضور جمع كبير من مقدمي ووجهاء الإسبان النصارى.)
(ومع أن المؤرخين الإسبان يؤكدون أن ألفونسو السادس, الذي طالما عرف باحترامه لعهوده و مواثيقه, استشاط غضبا عندما عرف بتحويل مسجد طليطلة إلى كاتدرائية و قطع رحلته عائدا إلى عاصمته الجديدة إلا أن كل شيء بقي على حاله و برناردو صار فيما بعد رئيسا لأساقفة إسبانيا. فهل كانت زوجته و من حولها من رهبان أقوى منه و أكثر نفوذا فتغلبوا على إرادته الطيبة أم إنه كان في أعماقه موافقا على ما فعلوا و راضيا بما استحدثوا؟) (2)
هكذا فمصير جامع طليطلة لم يختلف عن مصير كل الجوامع الأندلسية بعد سقوط المدن الإسلامية بيد النصارى, فتم تحويله إلى كنيسة ثم هُدِّّم تماما بعد ذلك و أقيمت مكانه كاترائية طليطلة العظمى التي لا يغفل عن زيارتها اليوم الميمِّّم طليطلة.
يقول الأستاذ محمد عبد الله عنان رحمه الله: (و تقع كنيسة طليطلة العظمى (الكاتدرائية) في وسط المدينة تقريبا, و هي تحتل مكان المسجد الجامع القديم, و قد كان هذا المسجد كنيسة قوطية قديمة, فحولها المسلمون وقت الفتح إلى مسجد طليطلة الجامع. و لما سقطت طليطلة في أيدي القشتاليين, كان من عهود التسليم التي قطعها ملك قشتالة على نفسه أن يبقى للمسلمين جامعهم إلى الأبد, يؤدون فيه شعائرهم أحرارا. بيد أنه لم يمض على ذلك سوى شهرين, حتى قام أسقف طليطلة الجديد بتحويل الجامع إلى كنيسة بالقوة القاهرة, ونصبت فيه الهياكل, ولم يغن احتجاج
¥