فإن نصح لهم ناصح رموه بخبال في الرأي أو ضلال في الفهم أو زيغ في العقد لا عن حجّة وبيان ولكن ثقة بالذين يصدّقونهم في كلّ بهتان.
قال تعالى: ((قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون))، ((ففرّوا إلى الله إنّي لكم منه نذير مبين))، ((ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إنّي لكم منه نذير مبين كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصو به بل هم قوم طاغون، فتولّ عنهم فما أنت بملوم، وذكّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين)).
(الشرك ومظاهره ص 195 - 198)
غلوّ العامّة في التوسّل بالجاه:
وقد غلب الجهل بالدين وضعفت الثقة برب العالمين واعتد النّاس من سمّوهم أولياء صالحين وعوّلوا على التوسُّل بهم في قضاء مطالبهم، وغالوا في اعتباره وتشددوا في التمسّك به، وبادروا إلى الإنكار على من أراد بيان المشروع منه لهم.
ولم تزل مسألة الوسيلة حديث المجالس منذ أزمنة طذويلة فضبطناها ضبطا يقربها من مُتناول العامّة عسى أن يخفضوا من غلوائهم ويرجعوا إلى السنن المشروع في توسّلهم ويهتدوا إلى الحقّ في دعائهم، فيعبُدوا ربّهم بما شرع لهم ويتّبعوا الرسول فيما سنّ لهم. ((ومن يُطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ ألئك رفيقا))
شركُ القبوريين والطرقيين:
((إنّ الرزيّة كلّ الرزية والبلية كلّ البلية، أمر غير ما ذكرنا من التوسُّل المجرّد والتشفُّع بمن له شفاعة. وذلك ما صار يعتقدهُ كثيرٌ من العوام وبعض الخواص في أهل القبور وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء من أنّهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله، جلّ جلاله، ويفعلون ما لا يفعله إلا الله عزّ وجلّ حتى نطقت ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم.
فصاروا يدعونهم تارة مع الله وتارة استقلالا، ويصرخون بأسمائهم ويعظمونهم تعظيم من يملك الضرّ والنّفع، ويخضعون لهم خضوعا زائدا على خضوعهم عند وقوفهم بين يدي ربّهم في الصلاة والدُّعاء.
وهذا إذا لم يكن شركاً فلا ندري ما هو الشرك؟ وإذا لم يكن كُفرا فليس في الدُّنيا كُفرٌ)) (ص155) (1)
الطريق إلى الشفاعة:
أيُّها المُسلمُ اتّبع القرآن فيما أرشدكَ إليه يشفع لك عند الله.
ولا تحد عن سنّة رسول الله تشملك –إن شاء الله- شفاعته.
ولا تقنط من رحمة الله وترجو رحمة سواه، فإنّه أرحم الراحمين: ((يا أيُّها النّاس قد جائتكم موعظة من ربّكم وشفاء لما في الصدور وهُدى ورحمة للمؤمنين، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير ممّا يجمعون)).
(1) (صيانة الإنسان نقلا عن الشوكاني)
(الشرك ومظاهره ص227 - 228)
قطعُ السلف لاتخاذ المزارات:
وقد علمت الحكم في البناء على القبور وحكمته. وأجمع الصحابة على العمل به. فلمم يبنوا على الأمكنة التي جلس فيها الرسول في أسفاره في الحج والعمرة والغزو، وهم عالمون بها وشديدو الحب له. ولم ينوطوا بشجرة الرضوان ولا غيرها خيوطا وخرقا ولا وضعوا تحتها مباخر ومصابيح، ولا قبّلوا غير الحجر الأسود أو تمسّحوا بشيء من غير أركان البيت. بل نهى أمير المؤمنين ومحدّثُ هذه الأمّة عمر بن الخطّاب عن تعمُّد العدول إلى موضع سجوده صلى الله عليه وسلّم في طريق المدينة إلى مكّة. وقطع شجرة الرضوان، وبيّن وجه تقبيله للحجر الأسود كما تقدّم في الفصل الحادي عشر.
إحداث الخلف للمزارات:
أين أنتم من هذا يا من اتّخذتم من القبور والمزارات أوثانا مودّة بينكم في الحياة الدنيا؟
وشيّدتم عليها القصور ورفعتم القباب وأشركتموها بربّ الأرباب؟
وجاوزتم ذلك تكثيرا لمظاهر الشرك فبنيتم على القبور؟
واتّخذتم من شجر البطم والسدر وغيرهما ذات أنواط تعلقون به الخرق والخيوط وتسرجون له الأضواء وتعطّرونه بالمباخير والرياحين؟
وجاوزتم ذلك إغراقا في الشرك إلى الصخور الضخمة والأودية الموحشة؟ واستبدلتم بالتبرّك المسنون تبرككم المبتدع المأفون.
ها قد أوضحنا لكم ما في الزيارات من رشد وغيّ، فكونوا من عباد الله الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنهُ. ولا تكونوا ممّن حقّت عليهم كلمة الله: ((سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحقّ وإن يرو كلّ آية لا يُؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتّخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلا)).
¥