أما ابن حجر العسقلاني، فمع وضعه مع أسماء الصحابة، فإنه لم يشر إلى هذه الصحبة واكتفى بالقول إنه أسلم ([22] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad19partie6.htm#_ftn23)). من خلال استعراض هذه النصوص، يتبين لنا أن عبيداً لم تكن له صحبة مع الرسول r، بل ربما يكون إسلامه قد جاء بعد موت الرسول r وقيام حركة الفتوحات.
لقاؤه بمعاوية بن أبي سفيان:
تكاد المصادر تجمع على أن معاوية هو أول من التقى بعبيد بن شرية الجرهمي على اعتبار أنه من الإخباريين المعمرين. وبالرغم من هذا الإجماع، فإنها اختلفت في الطريقة والمكان الذي التقى فيه معاوية بعبيد بن شرية الجرهمي.
ففي حين ذكر عبيد بن شرية نفسه أنه التقى به في مدينة الرقة ([23] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad19partie6.htm#_ftn24))، نجد أن ابن قتبية يشير إلى وفوده على معاوية وهو بالشام ([24] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad19partie6.htm#_ftn25))، ولكن دون أن يذكر المكان الذي وفد منه: هل كان ذلك من اليمن أو من العراق، وذلك بناء على نصيحة من عمرو بن العاص لمعاوية باستقدامه.
أما ياقوت، فنجد اضطراباً في روايته حول لقاء معاوية بعبيد. ففي حين يذكر ياقوت نقلاً عن ابن عساكر أنه وفد على معاوية دون أن يحدد المكان ([25] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad19partie6.htm#_ftn26))، نجده في موضع آخر أنه لقيه بالحيرة عندما توجه معاوية إلى العراق بعد تنازل الحسن ([26] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad19partie6.htm#_ftn27)). ويعود مرة ثالثة ويقول إنه استحضره من صنعاء اليمن ([27] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad19partie6.htm#_ftn28))، ليسأله عن الأخبار المتقدمة، وملوك العرب والعجم، وسبب تبلبل الألسنة، وأمر افتراق الناس في البلاد.
وفي ما تقدم، فإن هذه المصادر القليلة تجمع على لقاء معاوية بعبيد بن شرية. إلا أنها اختلفت في مكان هذا اللقاء. ولكن النقطة اللاَّفتة للنظر هي دور عمرو بن العاص في هذا الشأن، إذ جاء في أخبار عبيد أن عمرو بن العاص قال لمعاوية:» لو بعثت إلى الجرهمي الذي بالرقة من بقايا من مضى، فإنه أدرك ملوك الجاهلية وهو أعلم من بقي اليوم في أحاديث العرب وأنسابها، وأوصفه لما مر عليه من تصاريف الدهر، فبعث إليه معاوية ... «([28] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad19partie6.htm#_ftn29)).
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الشأن هو من أين عرف عمرو بن العاص عن عبيد بن شرية، ومتى وأين التقى به؟ إذ من المعلوم أن عمرو لم يتوجه إلى العراق إلا في فترة النزاع بين علي ومعاوية، أثناء معركة صفين. وفيما بعد، أمضى طيلة حياته في مصر.
وأمام هذه التساؤلات لا يبقى أمام المرء إلا أن يقرر بأن عمرواً ربما قد تعرف إليه أثناء أحداث وقعة صفين، وأن عبيداً ربما دخل في صف معاوية قاصاً لجنده في ذلك الوقت العصيب. ولاشك في أن لمثل هذه القصص وقع كبير على جند الشام والغالبية منهم من القبائل اليمانية التي انحدرت من الأصل الذي ينتمي إليه عبيد بن شرية الجرهمي.
أما عن فترة لقاء معاوية بعبيد بن شرية في الشام، فأرجح أنها لم تكن عند ذهاب معاوية إلى العراق بعد تنازل الحسن، وأنها كانت متأخرة عن ذلك وربما كانت في السنوات الأخيرة من عمر معاوية أو أنها قبل ذلك. إذ تذكر المصادر أن معاوية قد أصيب في آخر حياته بالأرق ([29] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad19partie6.htm#_ftn30))، وكان يفتش عن سمَّار يحدثونه ليلاً، ولا سيما في ليالي الشتاء الطويلة، ليقضي عليه ليله، ويذهب عنه همومه.
وهناك إشارة أخرى لابد من التعرض لها، وهي عن الغاية التي استقدم بها معاوية عبيداً. فالمصادر تجمع على أنه أراد الاستماع إليه عن أحداث الماضي، ولكن مما يلفت النظر ما ذكره عبيد من أن معاوية لم يكتف بمنادمته ولكن طلب منه أن يكون وزيراً له في أمره ([30] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad19partie6.htm#_ftn31)).
ومن خلال تتبع حياة معاوية، لا نجد لعبيد بن شرية ذكراً في أن معاوية كان يستشيره في قضاياه، وأن ما ذكره عبيد فيه مبالغة كبيرة، وبالتالي فإن وجوده إلى جانب معاوية لا يعدو أن يكون قصاصاً في مجالس معاوية الليلية بعد أن تقدمت به السن.
¥