في هذا الكتاب يشرح باريوس ما سمّاه "سلبية" التعايش؛ أي المعاملة العنصرية و العنيفة التي سامتها السلطات للأقلية المورسكية في جميع مناحي الحياة, رغم أنهم كانوا جزما مسيحيين؛ كما شرح رد فعلهم. كما حلل في الكتاب بالتفصيل العوامل المركّبة لهذه السلبية. حسب باريوس, فإنه خلال هذا المسلسل التاريخي الذي دام القرن تقريبا لم يكن التعايش ممكنا بين المسيحيين القدامى و (المسلمين المتحوّلين) و الذي يسمّون في الوثائق مورسكيين: (كان شيئا يائسا لتراكم عدة ظروف قاهرة, لكن خصوصا لأن السلطات المسيحية, المحتلّة, اعتمدت استيعابا إجباريا, و الذي كما ذكر كتّاب آخرون, كان مصيره الفشل).
الكتاب يتكون من 600 صفحة فيها تحليل, من وجهة نظر نقدية و ليست اصطلاحية, لهذا المأزق الذي سيتحوّل لمأساة خاصةً في حرب البشرات الرهيبة: (لقد كانت حربا دينية, لكنها أهلية أكثر من ذلك. هكذا اعتبرها المؤرخ خنيس بيريز دي إيتا Gines Pires de Hita, الذي تحدّث بمرارة عن حرب الإخوة ضد إخوتهم).
بالنسبة للبروفسور باريوس, طردُ المورسكيين (كان قرارا عنيفا, متسرّعا, غير متناسب. بدايةً بالطرد من غرناطة, ثم بالطرد من إسبانيا و هذا ما يسمى (الحل النهائي)). من المؤكّد أن الأغلبية تشبثت بدينها و عاداتها حسب القانون الإسلامي, لكن هناك آخرين بدءوا التأقلم مع العادات, النمط و الدين المسيحي. (أعتقد أن الوقت, و التبشير اللين و العقلاني كانا سيعطيان نتائجهما كما حدث في أراضي العرش القشتالي , فإن لم تكن بصفة عامة فعلى الأقل بصفة مهمة؛ و هذا دون الخروج عن المقاييس العقلية لتلك الفترة). (1)
عبر كل هذا يقول البروفسور باريوس حول الاحتفاء: (ما يجب عمله هو إحياء هذه الذكرى, فنحن نتحدث عن فترة جد مهمة من تاريخنا, و في وقت طوّر فيه المجتمع حساسية كبرى اتجاه مسائل الأقليات).
الكتاب يطمح إلى أن يكون وسيلة للتعبير – حسب ما يتيحه توسّعه و قيمته التلخيصية – عن آخر وجهات النظر لفهم هذا المشكل الخطير الذي كان في مملكة غرناطة منذ احتلال الملكين الكاثوليكيين حتى استقرار مجتمع جديد من المسيحيين القدامى عبر مسلسل توطين شغل كل السنوات الأخيرة للقرن السادس عشر. يشير مانويل باريوس: (حاولت جعله كتابا يثير اهتمام الباحثين, و هذا ما يفسر الاعتناء بالتحديث التاريخي و المرجعي, لكن فيه نصيب حتى لغير المختصين دون التخلي عن قيمته العلمية).
مأساة إنسانية
كاتب (التعايش اليائس) شدّد على أن إحياء ذكرى الأربعمائة سنة على الطرد النهائي للمورسكيين يجب أن يعمل على التفكّر بهدوء حول هذه المرحلة المهمة من تاريخنا. (بتركيزنا على محيطنا القريب, لم تكن أراضي أندلوسيا الشرقية في أي فترة من تاريخ إسبانيا محورا للأحداث كما كانت في القرن و ربع القرن الممتد من بداية احتلال مملكة غرناطة حتى أواخر القرن السادس عشر. إنها خلاصة مرحلتين مهمتين:مرحلة المدجنين و المورسكيين ثم مرحلة التوطين الصادر بأمر فيليب الثاني لملأ الفراغ السكاني الحاصل بعد طرد المورسكيين و تفريقهم على باقي ممالك عرش قشتالة). و في هذه الفترة حدثت حربان و توطينان كثيفان اقتلعا القاعدة السكانية لمملكة غرناطة مع كل ما يرافق ذلك, ليس فقط على المستوى العددي بل حتى على مستوى المأساة الإنسانية. (ليس من السهل أن تجد في تاريخ أوربا المعاصر, المليء أيضا بأحداث الحروب الأهلية و الدينية, صدمات سكانية و إنسانية بهذا العنف الذي حصل في هذه الفترة).
هذا المؤتمر الدولي الذي يعدّ له سيعتمد على خبراء من العالم الغربي, لكن أيضا على نظرائهم في الضفة المتوسطية الأخرى (تونسيون, مغاربة, أتراك ... ). يقول مانويل باريوس: (فقط بجمع كل وجهات النظر, نستطيع, بصورة ما, فهم و تحمّل الحقيقة العميقة لهذه الأحداث المأساوية ونتائجها).
و يذكّر الكاتب أنه غادر من غرناطة حوالي 80 ألف مورسكي بعد إخفاقهم العسكري (2). إذا أضفنا لهم أولئك الذين قتلوا في حرب البشرات, و الذين نجحوا في الفرار من المراقبة, ثم الذين استحالوا إلى عبيد و الذين هاجروا إلى شمال إفريقيا, فإننا نستطيع القول أن المأساة مسّت مباشرة حوالي 135 ألف مورسكي. أما أولئك الذين طردوا من إسبانيا ما بين 1609 و 1612م فقد تجاوزوا ال 250 ألف. هذه الأرقام تعطي فكرة عن بعد و خطر أحداث المأساة الكبرى. من الواضح أنه في ذكرى مرور أربعة قرون على الطرد أصبح واجبا العودة إلى هذا الجزء المركزي من تاريخنا و استخلاص العبر و الدروس.
تمّ المقال:
الهوامش:
(1) و هذه نقطة خطيرة. فالمشكلة عند بعض الأسبان المتعاطفين مع الأندلسيين اليوم ليس هو تحويل المسلمين الأندلسيين إلى نصارى بل هو أمر مرحّب به و مستحبّ لو قامت به الكنيسة دون اللجوء إلى العنف و الاضطهاد. و تنصير الأندلسيين لازال فكرة سائدة حتى اليوم و لعلهم سيغيرون تكتيكهم من التنصير العنيف إلى التنصير الناعم.
(2) يتحدّث الكاتب عن حرب البشرات بغرناطة ما بين (1568 و 1570).
عربه و كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد المغربي غفر الله له و لوالديه و لجميع المسلمين و المسلمات.