[سقوط مالقة بيد النصارى]
ـ[هشام زليم]ــــــــ[14 - 12 - 08, 10:46 م]ـ
بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.
مالقة: من المدن الأندلسية القديمة, دخلها الإسلام في الأيام الأولى لدخول طارق بن زياد للأندلس؛ و ظلت لمدة 8 قرون بيد المسلمين حيث كانت من أواخر المدن الأندلسية التي سقطت بيد النصارى.
لقد كان دخول النصارى إليها مختلفا عن دخولهم لغرناطة رغم أنهم تعهّدوا بتأمين أهلها على أموالهم و أنفسهم كما فعلوا في هذه الأخيرة. فإذا كان النصارى قد احترموا بنود اتفاقية غرناطة على الأقل خلال السنوات الأولى, فإن بنود اتفاقية تسليم مالقة لم يكد يجف حبرها على الورق حتى سٌفكت الدماء و انتهكت الأعراض و استرقّ الأحرار و بُعث ببعضهم هدايا للبابا. و إذا كان أهل غرناطة لم يحملوا السلاح في وجه الغزاة عند دخولهم لغرناطة, فإن فرسان مالقة من البربر الغماريين و المالقيين, على رأسهم حامد الثغري و علي دربال, آثروا الموت على رؤية الغازي النصراني سيدا لمالقة. و كان لهم –رحمهم الله- ما أرادوا حيث تمركزوا في جبل الفارو Gibralfaro و قاتلوا حتى نفذت قواهم, فتم قتل و اعتقال الغماريين و سجنهم في زنازين تحت الأرض.
يصف الأستاذ محمد عبد الله عنان رحمه الله اللحظات التي سبقت و التي تلت سقوط مالقة:
(كان ملك قشتالة يحرص على المضي في تحقيق خططه لسحق البقية الباقية من دولة الإسلام في الأندلس قبل أن يعود إليها اتحاد الكلمة, فيبعث إليها روحا جديدة من العزم و المقاومة. و كان من الطبيعي أن يؤثر البدء بغزو القواعد الشرقية و الجنوبية التي يسيطر عليها مولاي الزغل, لأن الزغل لم يكن يدين بطاعته, و كان يبدي في مقاومته عزما لا يلين و لايخبو, و لأنه من جهة أخرى كان يرتبط بأمير غرناطة بصلح يمتد إلى عامين, و قد أراد أن يسبغ على عهوده مسحة غادرة من الوفاء, و أخيرا لأنه كان يريد أن يعزل غرناطة و أن يطوقها من كل صوب, قبل أن يسدد إليها الضربة الأخيرة.
و قد رأينا كيف سقطت قاعدة بلش حصن مالقة من الشرق في يد النصارى, بعد دفاع عنيف, في جمادى الأولى سنة 892ه (مايو 1487م). و على أثر سقوطها غادرها معظم أهلها, و تفرقوا في أنحاء الأندلس الأخرى الباقية بيد المسلمين, و جاز كثير منهم إلى عدوة المغرب, و استولى النصارى على جميع الحصون و القرى المجاورة, و منها حصن قمارش و حصن مونتميور, و استطاعوا بذلك أن يشرفوا على مالقة من كل صوب. و كانت مالقا ما تزال أمنع ثغور الأندلس, و قد أضحت بعد سقوط جبل طارق عقد صلتها الأخيرة بعدوة المغرب, و كان فرديناند يحرص على أن يقطع كل وسيلة ناجعة لقدوم الإمداد من إفريقية وقت الصراع الأخير. و كان الاستيلاء على مالقة يحقق هذه الغاية. و من ثم فإنه ما كاد النصارى يظفرون بالاستيلاء على بلش و الحصون المجاورة, حتى زحفوا على مالقة و طوقوها من البر و البحر بقوات كثيفة, و ذلك في جمادى الثانية سنة 892ه (يونيو 1487م) و امتنع المسلمون داخل مدينتهم, و كانت تموج بالمدافعين و على رأسهم نخبة مختارة من أكابر الفرسان, و معهم بعد الأنفاط و العدد الثقيلة. و كانت مالقة تدين بالطاعة للأمير محمد بن سعد الزغل صاحب وادي آش, و لكنه لم يستطع أن يسير إلى إنجادها بقواته خوفا من غدر ابن أخيه أمير غرناطة, فترك مالقة إلى مصيرها و هو يذوب تحسرا و أسى. و لكنه فكّر في وسيلة أخيرة لعلها تجدي في إنقاذ الأندلس من خطر الفناء الداهم, هي أن يستغيث بملوك الإسلام لآخر مرّة, فأرسل رسلا إلى أمراء أفريقية و إلى سلطان مصر الأشرف قايتباي. و لم يكن من المنتظر إزاء بعد المسافة أن تصبر مالقة على ضغط النصارى حتى يأتيها المدد المنشود. و كان يتولى الدفاع عن الثغر المحصور جند غمارة و زعيمهم حامد الثغري. و أبدى المسلمون في الدفاع عن ثغرهم أروع ضروب البسالة و الجلد, و حاولوا غير مرّة تحطيم الحصار المضروب عليهم, و فتكوا بالنصارى في بضع مواقع محلية, و مع ذلك فقد ثابر النصارى على ضغطهم و تشديد نطاقهم, حتى قطعت كل علاقة للمدينة المحصورة مع الخارج, ومنعت عنها سائر الإمداد و الأقوات؛ و عانى المسلمون داخل مدينتهم أهوال الحصار المروع, و استنفدوا كل ما وصلت إليه أيديهم من الأقوات, و أكلوا الجلود و أوراق الشجر,
¥