و فتك بهم الجوع و الإعياء و المرض, و مات كثيرون من أنجاد فرسانهم, و لم يجدوا في النهاية لهم ملاذا سوى التسليم على أن يؤمنوا في أنفسهم و أموالهم. و هكذا سقطت مالقة بعد دفاع مجيد استطال ثلاثة أشهر في أيدي النصارى, و ذلك في أواخر شعبان 892ه (18 أغسطس 1487م) و لم يحافظ فرديناند على ما بذله لأهلها من عهود لتأمين النفس و المال, و أصدر قرارا ملكيا باعتبار أهلها المسلمين رقيقا يجب عليهم افتداء أنفسهم و متاعهم, و يفرض على كل مسلم أو مسلمة مهما كان السن و الظروف, الأحرار منهم و العبيد الذي في خدمتهم, فدية للنفس و المتاع, قدرها ثلاثون دويلا من الذهب الوازن اثنين و عشرين قيراطا, أو ما يوازي هذا القدر من الذهب و الفضة و اللآلئ و الحلي و الحرير؛ و أنه يسمح لمن أدوا هذه الفدية, إذا شاءوا, بالعبور إلى المغرب و تقدم السفن لنقلهم, و أنه لا يسمح للمسلمين ذكورا أو إناثا بالعيش أو الإقامة في مملكة غرناطة, و لكن يسمح لهم أن يعيشوا أحرارا آمنين في أي ناحية من نواحي قشتالة, و أنه لا يتمتع بهذه المنح بنو الثغري و زوجاتهم و أولادهم, و بعض أفراد أشار إليهم القرار (1). و دخل النصارى المدينة دخول الفاتحين, و عاثوا فيها و سبوا النساء و الأطفال, و نهبوا الأموال و المتاع, و فرّ من استطاع من المسلمين إلى غرناطة أو وادي آش أو جاز إلى العدوة. و كان هذا التصرف نموذجا لما يضمره ملك النصارى نحو معاملة المسلمين المغلوبين, و لما تنطوي عليه سياسته من نكث للوعود و العهود. و تقول الرواية الإسلامية المعاصرة في وصف محنة أهل مالقة: (و كان مصابهم مصابا عظيما تحزن له القلوب و تذهل له النفوس, و تبكي لمصابهم العيون.). (2)
سنة 1987م, و بمناسبة مرور 500 سنة على احتلال مالقة, قام رئيس البلدية بيدرو ابريسو Pedro Aparicio بإعلان يوم 18 غشت عيدا للمدينة. نعم هو عيد لأبناء المحتلين, أما بالنسبة للشعب الأندلسي فهو يوم يحمل ذكرى بطعم العلقم, يوم شهد إخراجهم من النور إلى الظلمات. و في هذا الإطار قام الأندلسيون بالدعوة لمقاطعة المهرجان المنظّم سنويا من طرف بلدية مالقا للاحتفال بهذه الذكرى, لأنه بمشاركة الأندلسيين في هذه المهرجانات يتنكرون لما قام به حامد الثغري و الأجداد من مجهودات لبقاء مالقة مسلمة. فهو عيد لأبناء النصارى المحتلين الذين يبتهجون باحتلال المدينة, فكيف يحتفل به من اضطهد أجداده جراء هذا الاحتلال.
الهوامش:
(1) هذا ما ورد ضمن وثيقة محفوظة بدار المحفوظات الإسبانية العامة Archivo general de Simancas P.R II-5.
(2) " نهاية الأندلس" للأستاذ محمد عبد الله عنان. الصفحة 202 - 203.
كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد المغربي.
ـ[طويلبة علم]ــــــــ[14 - 12 - 08, 11:57 م]ـ
جزاك الله خيرا
أحداث محزنة
مع أنه في ذلك الوقت كان النصارى يعيشون بأمان في بلاد المسلمين
الا ان النصارى استعبدوا المسلمين وطردوهم ولم يسمحوا لهم بحرية العيش
ونكث فرديناند بوعوده التي قطعها لأهل مالقة، فغدر بهم واسترقهم جميعاً، وهذا مثال لسوء طوية نفس فرديناند وزوجه ايزبيلا تجاه المسلمين.
وأستعمل حاكم مصر الضغط السياسي على فرديناند أنه سوف يعامل النصارى بالمثل في بلاد المسلمين
ولكنه لم يجد جوابا ورد عليه فردنياند (أنهما فردنياند وزوجه ايزبيلا) لايقبلان أن يتدخل أحد في بلاد الأجداد
وعاملوا المسلمين ابشع معاملة ... والله المستعان
ـ[هشام زليم]ــــــــ[22 - 05 - 09, 04:02 ص]ـ
جزاك الله خيرا
أحداث محزنة
مع أنه في ذلك الوقت كان النصارى يعيشون بأمان في بلاد المسلمين
الله المستعان.
ـ[صقر بن حسن]ــــــــ[23 - 05 - 09, 11:05 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي أبا تاشفين المغربي وبارك فيك
مواضع قيمة
جعلها الله في موازين حسناتك
ـ[هشام زليم]ــــــــ[14 - 08 - 09, 02:38 ص]ـ
الاستعدادات القشتالية في مالقة على قدم و ساق للاحتفال بسقوط المدينة الشهيدة بيد النصارى يوم 18 غشت القادم.
ـ[يحيى الأول]ــــــــ[24 - 08 - 09, 07:12 ص]ـ
مالقة هذه بلد كان فيها علماء, وهناك كتاب فيه أخبار علماء مالقة طبع دار الغرب الاسلامي