فتناول الأستاذ الرئيس المفتاح وقال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم على اسم الإسلام والعروبة، والعلم والفضيلة، أفتح مدرسة "دار الحديث" ربنا أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين، ربنا أدخلنا مدخل صدق وأخرجنا مخرج صدق واجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا. جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا."
ثم فتح الباب ودخل، ودخل معه العلماء والضيوف الذين جاءوا من جميع نواحي القطر، فتفرجوا على داخل المدرسة سفليها ثم علويها، وكان ما حول المدرسة قد اكتظ بالخلائق فخرج عليهم الأستاذ الإبراهيمي وأشار عليهم بالانصراف فصاحوا بصوت واحد: الرئيس ابن باديس، فأطل عليهم هو والعلماء من (البالكون) وخاطبهم بالكلمات الآتية:
" يا أبناء تلمسان يا أبناء الجزائر إن العروبة من عهد تبع إلى اليوم تحييكم، وإن الإسلام من يوم محمد إلى اليوم يحييكم، وان أجيال الجزائر من اليوم إلى يوم القيامة تشكركم وتذكر صنيعكم بالجميل.
يا أبناء تلمسان كانت عندكم أمانة من تاريخنا المجيد فأديتموها فنعم الأمناء أنتم، فجزاكم الله جزاء الأمناء والسلام عليكم ورحمة الله."
ثم افترقت الجموع الحاشدة وذهب الضيوف لتناول طعام الغداء في بيوت التلمسانيين الكرام.
في العشية
وفي الساعة الرابعة عشية رجع العلماء للمدرسة حيث كان الخلائق ينتظرون سماع الخطب والدروس، فصعدوا للسدة يتقدمهم رئيسهم فلما استقل كل منهم بكرسيه قام الأستاذ الإبراهيمي وتقدم من مضخم الصوت وقد الأستاذ طالب عبد السلام رئيس الجمعية الدينية ليتلو خطاب الترحب باسمها. فتقدم هذا وتلا خطابا رحب فيه بالضيوف وبين فضل العلماء على النهضة الجزائرية الحديثة وذكر من مجد تلمسان ووصف المدرسة وشكر جهود منشئيها وختم بالهتاف بحياة الجزائر الإسلامية وتلمسان ثم قام الأستاذ الإبراهيمي وارتجل خطابا ساحرا عرض فيه بإسهاب المؤسسات العلمية في تلمسان وتاريخها وذكر من أسماء العلماء الذين رفعوا رأس تلمسان عاليا وكانوا السبب في ربطها من الناحية العلمية بالشرق والتعريف بها في عواصمه، ثم عرج على ذكر مدرسة "دار الحديث" المحتفل بفتحها فقال: " الفضل في إنشاء هذه المدرسة العظيمة لا يرجع لأحد غير جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فكل فضل لهذا العاجز هو قطرة من بحر فضل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين."
ثم حي العلماء وشكرهم وذكر من خدمتهم للعلم والدين ومن سعيهم الجدي لتخليص المساجد من يد الحكومة المستبدة بها غير مراعية في ذلك ما تعهدت به من التباعد عن كل تدخل في أمور المسلمين الدينية وقال: لابد من يوم يأتي نحتل فيه مساجدنا ونتمتع بحريتنا التامة فيها، فاستعدوا لهذا اليوم.
ثم حث على تأسيس المدارس وقال: يجب أن نتدارك بها الإسلام والعربية في ناشئتنا المقبلة.
وهنا تلا برقيتين وردت عليه إحداهما من زعيم المغرب الأستاذ علال الفاسي وأخرى من الأستاذ عباس فرحات من سطيف أبدى كلاهما شعوره الطيب ومشاركته الروحية الصادقة معتذرا عن الحضور.
ثم ندد بأعمال الجور والظلم التي حبست عددا عظيما من إخواننا المغاربة في وجدة وافتكت منهم رخصهم وقد كانوا عازمين على المشاركة في الاحتفال، ثم احتج بكل شدة ضد هذه المعاملة القاسية في عصر يسمونه عصر الديمقراطية والحرية.
وختم بشكر الحاضرين وعرفهم بأن الأستاذ الرئيس سيفتح الكلام في "دار الحديث" بدرس يلقيه في الحديث.
درس الرئيس
كان الرئيس جالسا على كرسيه أمام (الميكرو) وقد ظهر عليه وقار العلم وفضيلة المعرفة في أجلى صورهما، وكان الناس من السكينة والوقار كان على رؤوسهم الطير.
فافتتح بحمد الله وبالصلاة على نبيه [صلى الله عليه وسلم] ثم روى حديثا بالسند المتصل بالبخاري ومسلم وهو قوله [صلى الله عليه وسلم]: " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم الحديث "
و ليعذرني القراء إذا فوت عليهم خلاصة هذا الدرس فإنه ليس من الدروس أو الخطب التي تكثر فيها الألفاظ وتقل المعاني فيكتفي في نقله بالبعض عن الكل وبالخلاصة عن جميع ما قيل، لا ـ والله ـ أن هذا الدرس كانت ألفاظه على قدر معانيه ومعانيه لا تستغني عن قليل من ألفاظه. وكان آية في متانة الأسلوب وحسن البيان. فإذا كانت خسارة القراء فيه لا تعوض فلست المسؤول فلقد ـ والله ـ حاولت نقله فخانني الجهل بفن الاختزال.
¥