وفي أثناء كلام الرئيس على قوله [صلى الله عليه وسلم] من علم وعلم أخرج من جيبه خمسمائة فرنك إعانة للمدرسة ليكون قدوة للناس. وفي ختام الدرس وقف ودعا بدعاء حار مقتبس من القرآن العظيم وحديث النبي الكريم [صلى الله عليه وسلم]، وتلا الفاتحة.
وبإئر ذلك قام السيد الحاج أحمد بن خليل ودعا الناس لإعانة المدرسة وابتدأ هو بدفع ثلاثمائة فرنك للقدوة فتبارى الناس بعده في البذل أحسن الله جزاءهم آمين.
ثمّ افترقت الجموع الحاشدة وذهب الضيوف لتناول طعام العشاء في بيوت التلمسانيين الكرام.
في الليل
وفي الساعة التاسعة ليلا عاد الناس للاستفادة وعاد العلماء للإفادة، وكان المتعين للدرس الأستاذان الشيخ مبارك الميلي، والشيخ العربي التبسي. فألقى الأول درسا في حديث " إنما الأعمال بالنيات ... " وألقى الثاني درسا في قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ... } [آل عمران: 180] فكان درساهما من الطراز العالي الذي يذكر بكبار علماء السلف، وكانا كأنهما أرادا أن يذكرا الناس بأساليب الدروس لا بمجرد الحكمة التي في الدروس.
وعلى أثرهما قام الأستاذ الرئيس [يقصد ابن باديس] متحمسا و قال: على ذكر الهجرة، في حديث " إنما الأعمال بالنيات " أذكر أني لما زرت المدينة المنورة واتصلت فيها بشيخي الأستاذ حمدان الونيسي المهاجر الجزائري وشيخي حسين أحمد الهندي أشار علي الأول بالهجرة إلى المدينة وقطع كل علاقة لي بالوطن، وأشار علي الثاني ـ وكان عالما حكيما ـ بالعودة إلى الوطن وخدمة الإسلام فيه والعربية بقدر الجهد، فحقق الله رأي الشيخ الثاني ورجعنا للوطن بقصد خدمته، فنحن لا نهاجر، نحن حراس الإسلام والعربية والقومية بجميع مدعماتها في هذا الوطن، فعلا الهتاف والتصفيق بحياة الإسلام والعربية.
ثمّ تقدم الأستاذ الشيخ محمد العيد (شاعر شمال إفريقيا) وألقى قصيدة كلها عيون وغرر، فعرض فيها من ماض أمتنا وحاضرها عرضا شعريا بليغا ملك القلوب وسحر العواطف، ومطلع القصيدة
أحي بالرضى حرما يزار ... ودارا تستضل بها الديار
وبعد الانتهاء من إنشادها افترق الناس على أن يرجعوا صباح الغد لسماع بقية الخطباء والشعراء.
صباح اليوم الثاني
كان المقرر في صباح اليوم الثاني أن يسمع الناس خطاب الأستاذ الفضيل الورتلاني عن سير الحركة العلمية التي تغذيها جمعية العلماء بفرنسا وما كان الوقت المحدد حتى اكتضت رحاب المدرسة بالخلائق وصعد العلماء على السدة، وتقدم الأستاذ الفضيل من (الميكرو) وألقى خطابا طويلا عرض فيه بفصاحته الخلابة، وبيانه الساحر، ما تم من الأعمال العلمية على يد رجال جمعية العلماء في فرنسا فقوطع بالتصفيق والهتاف بحياة العاملين مرارا، وقد أخذ من الوقت ما يقرب من ساعتين.
ثم تقدم الأستاذ محمد العيد وألقى قصيدة استنهاضية عامرة أثارت إعجاب الحاضرين بالشاعر، وأطلقت ألسنتهم بالدعاء ببقائه، ومطلعها
دعاك الأمل ... لخير العمل
ثمّ تقدّم الشيخ الشاعر الأستاذ أبو اليقظان فألقى قصيدة عصماء بعد أن قدم لها مقدمة بليغة ومطلعها.
تلمسان تيهي بهذا الفخار ... وباهي العواصم بين البشر
وبهذه القصيدة ختمت حفلة الصباح.
مأدبة في البساتين
خرج الضيوف من المدرسة تقلهم السيارات إلى بساتين السيد ابن قلفاط حيث أقيمت لهم مأدبة غذاء وعشاء اشتركت فيها أكثر الجمعيات والنوادي التلمسانية جلس الضيوف تحت ظل الأشجار الضليل وحول عيون الماء العذب السلسبيل، فتناولوا ما لذّ وطاب من الطعام ثمّ شربوا الشاي، مزيجا بنغمات الناي، على الطريقة الأندلسية التي كان يقوم بها المطرب الشهير الشيخ العربي وفرقته.
ثمّ ركب بعض الضيوف سيارات ذهبت بهم إلى المنصورة فوقفوا على آثارها معتبرين بتصرفات الدهر، وتقلبات الأيام. ثم رجعوا إلى البساتين حيث تناولوا مع بقية الضيوف طعام العشاء وسمعوا الألحان الأندلسية ممتعة من فرقة الشيخ العربي. وفي الاعة السابقة تمت الحفلة الرسمية.
في نادي السعادة
دعا نادي السعادة هيأة العلماء ومن بقي من الضيوف لحفلة شاي تكريمية فقبلت دعوته وذهب الضيوف للنادي تقلهم السيارات فوجدوه غاصا بأحباب العلماء و أنصارهم، وما أخذ الضيوف أماكنهم حتى قام الشيخ ابن علي بوعياد وألقى خطابا بليغا في الترحيب بالضيوف ثم طلبت الكلمة من الأستاذ فرحات بن الدراجي ثم من كاتب هاته السطور ثم من الأستاذ الفضيل الورتلاني فتكلم كل بما يناسب المقام، وانتهت الحفلة بسلام.
شكر الله كرم أهالي تلمسان وأعانهم على صالح الأعمال
الجزائر27 رجب 1356 مصطفى بن حلوش
ـ[إبراهيم بن حسن]ــــــــ[29 - 12 - 09, 12:06 ص]ـ
بارك الله فيكم أخي الفاضل
ـ[وذان أبو إيمان]ــــــــ[29 - 12 - 09, 02:52 م]ـ
بارك الله فيك
أنت تتحدث عن دار الحديث التاريخية
فأين هي دار الحديث التالية
سمعنا أن هناك شيخا جليلا متواضعا إسمه (الشيخ الطيب إبراهيمي) له بعض المؤلفات ويقم بشرحها.لم لاتقومون برفع دروسه لينتفع بها الجميع
وهناك الشيخ بن يونس وشيوخ آخرون
ليتنا نعرف نشاطاتهم و نتعرف علي أعمالهم
وكم في الجزائر أبهي من عروس
لكن العروس الدهر لها ساعد (معذرة علي التعديل البيت الشعري)
¥