تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و عرف عنه كثرة المطالعة، و اقتناء الكتب ولهذا تجده يقول في بعض المواقف: " إني امرؤ استنبطت العلوم وحذقت النجوم وطالعت جميع الكتب من العلوم بأسرها على اختلاف أجناسها وأصنافها " (1)، ومع ذلك فلم تكن المطالعة مصدره الأهم في المعرفة، بل ربما كان أهم منها المعرفة التي حصلها عن طريق السماع والمشاهدة والاختبار العملي، وأعانه على ذلك دقة في الملاحظة، ومسارعة إلى تقييد ما يلاحظه أو يسمعه أو يجري فيه اختباراً، تستوي في ذلك بسائط الأمور ومعقداتها.

ولعل السب في رأي - و الله أعلم -الذي جعله يتفرغ ويغرق نفسه في طلب العلم و التجول في البلدان هي المأساة التي تعرضت لها أسرته التي غرقت كلها في البحر بساحل برقة ونجا هو بحشاشة نفسه على لوح من خشب بعد أن سلب منه ماله ومتاعه، وقد ذكر هذه الحادثة للأديب المؤرخ ابن العديم الذي أوردها في كتابه " بغية الطلب في تاريخ حلب 1/ 447" حيث ذكر بأنه التقى به في القاهرة فوجده شيخاً كيساً، ظريفاً، حريصاً على الاستفادة لما يورده في تصانيفه ويودعه مجاميعه، وأنه: " ... ذكر لي أنه ولد بقفصة من بلاد إفريقية، وأنه خرج وهو صبي، واشتغل بالديار المصرية على شيخنا أبي محمد عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، ورحل إلى دمشق وقرأ بها على شيخنا أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وأحب المقام بها ثم إن نفسه اشتاقت إلى الوطن، فعاد إلى قفصة، ثم إنه حن إلى المشرق وطالبته نفسه بالمقام بدمشق، فباع أملاكه وما يثقل عليه حمله، وأخذ معه أولاده وزوجه وماله، وركب البحر في مركب اتخذه لنفسه، فغرق أهله وأولاده، وخلص بحشاشة نفسه، وخلص عرب برقة بعض متاعه، فخرج معهم متفكراً خوفاً منهم أن يهلكوه بسبب أخذ متاعه، وسبقهم إلى الإسكندرية، وتوصل بعمل مقامة يذكر فيها ما جرى له في طريقه، وعرف الملك الكامل أبو المعالي محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ملك الديار المصرية بذلك فكتب له إلى الإسكندرية بتخليص ماله، فخلص له منه جملة، ثم إنه لما رحل الملك الكامل إلى آمد وافتتحها، توجه إلى دمشق، ومنها إلى حلب، ومنها إلى آمد، فوجد الملك الكامل راجعاً إلى الديار المصرية، فعاد معه إليها، وسكن بها"

ونستشف من كلام ابن العديم أنه كانت تربطه صلات قوية بالملك الكامل، و أنه كان يقدره لعلمه وفضله، وقد عرف عن الملك الكامل حبه لأهل العلم ومجالستهم ومناظرتهم، و صلتهم بالهدايا و العطايا.

لم تقتصر علاقة التيفاشي بالملوك و الأمراء على الملك الكامل، بل نجده من المقربين في بلاط الصاحب نحيي الدين الكبير حاكم جزيرة ابن عمر بالقرب من الموصل، الذي خصه يدار كبيرة يقيم فيها ووفر له كل لوازم الراحة و جعل خزائن كتبه المسماة بالصاحبية تحت تصرفه ليل نهار، و كرد لهذا الجميل ألف له التيفاشي موسوعته " فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الالباب" وأهداها لخزانته.

وفي بلاط هذا الأمير التقى مترجمنا بحشد من العلماء و الأدباء و نشأت بينهم صداقات وأخوة فتبادلوا الزيارت والمجالس معارفهم و أجاز بعضهم البعض بكتبهم و مروياتهم وقد ذكر الصلاح الصفدي في كتابه (الوافي بالوفيات: 1: 172.) منهم:

- شرف الدين التيفاشي، مترجمنا.

- رشيد الدين الفرغاني.

- أثير الدين الأبهري.

- صدر الدين الخاصي.

- ضياء الدين أبو طالب السنجاري.

- شهاب الدين أبو شامة.

- نور الدين ابن سعيد الأندلسي.

- نجم الدين القمراوي.

وأضيف إلى ما عدده الصفدي: الطبيب أبو الحجاج يوسف بن عتبة الإشبيلي (ت سنة 636 هـ) و أبو المحامد القرطبي (ت سنة 643 هـ).

وعاد إلى مصر بعد إقامته مدة بجزيرة عمر، وولاه الكامل رئاسة دائرة التعدين بها، كما ضمه إلى مجلسه الرئيس جمال الدين موسى بن يغمور (663 هـ) الذي شغل مناصب متعددة في الدولة، وكان لعطفه على القادمين من المغرب يسمى " كهف المغاربة " وجعله من جلسائه المقربين، و قد شارك التيفاشي في مجالس هذا الأمير أصدقائه المغاربة الطبيب أبو الحجاج يوسف بن عتبة، وأبو المحامد القرطبي، ونور الدين ابن سعيد الأندلسي مؤلف الكتابين الشهيرين: " المُغرب في أخبار أهل المَغرب" و " المُشرق في أخبار أهل المَشرق " و قد أهدى للتيفاشي نسخة من كتابه الأول و أجازه بروايته و سيأتي نص هذه الإجازة، وسجل التيفاشي قصة الإهداء والإجازة في قطعتين من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير