يقول الباحث الأرجنتيني بابلو تورنيلي (3) PABLO TORNIELLI : ( اسم العائلة المؤسسة لهذه البلدة يختلف حسب المصادر, لكن ليس هناك شك في انتمائها الإسلامي, هذا الانتماء الذي أسعد و ابتسم له سارمينتو السليل البعيد للمورسكيين. لقد أبدى سارمينتو اعتزازا بآثار الماضي الإسلامي لعائلة والدته, و ابتهج لمّا تمّ خلطه بالمسلمين الذين يعود إليهم أصله).
4 - سارمينتو بالجزائر
سنة 1847, سافر سارمينتو إلى الجزائر. و كتب من وهران, في 2 يناير 1847, رسالة إلى خوان طومسون, و هي ضمن المجموعة المنشورة بسانتياغو بالشيلي سنة 1849م, تحت عنوان "رحلات بأوربا, أفريقيا و أمريكا". في هذه الرسالة الأفريقية, أخبر الكاتب عن المشاعر التي خالجته , فقد اعترته موجة استشراقية حادة: خليط من الخوف و التقدير, إنها نتيجة لما يراه غريبا و جذابا, أحيانا عنيفا, و محاولاته التعميمية و النمطية لتفسيرها.
تعتبر هذه المشاعر التي خطّها سارمينتو جد مهمة لتحليل صورة المسلم كما يراه الأمريكيون عبر منظار الاستشراق الأوربي, حيث كما اعترف سارمينتو: (إن مشرقنا هو أوربا, و إذا ما بزغ نور فيما وراءها, فإن أعيننا غير مستعدة لاستقباله, إلا بواسطة العدسة الأوربية) (4)
وصل سارمينتو إلى الجزائر مشبعا بالمفاهيم التاريخية المعدّة مسبقا لكنها لم تتطابق مع ما رآه حقيقة. يقول سارمينتو عن السكان المسلمين الذين رآهم: (شعب بدائي, لهجة ساذجة و دين جوهره غير متسامح و شرس). (5)
لم يُخفِ ابن باولا ألبراسين Paula Albarracin مشاعره حول ما يراه دون أن يجد له تفسيرا: (لا أعلم أي شعور هذا, الممزوج بين الخوف و التقدير, الذي يتولّد عن رؤية هذا الشعب المسلم الذي لم يستطع عقله المتحجّر فرض ذاته طيلة 40 قرنا, و هو اليوم في نفس المكان منذ أن فرّق يعقوب خيمه و أتباعه للذهاب لتكوين أمّة في جانب آخر. شعب غارق في الحقب التاريخية, و الذي رغم الأحداث الكبيرة التي شارك فيها و الأمم القوية التي دمّرها و الحضارات التي أزاحها من مكان إلى آخر, لازال يحتفظ اليوم بزي قديم, و تنظيم قبلي بدائي, و حياة البداوة بالخيمة و بروح دينية بارزة طبعت المجتمعات الإنسانية الأولية .. ) و تابع قائلا: ( ... لفهم الأحداث الحالية بأفريقيا, لا يكفي, حسب تقديري, فتح القرآن, الذي لا يعطي سوى فكرة ناقصة عن الطبع, المعتقدات و انشغالات المسلمين ... ) ثم قال: ( ... من نفس الفرع خرج الإنجيل و القرآن, الأول لتهيئ تطورات الفصيلة البشرية و إتمام التقاليد الأوليّة الخالصة, بينما الثاني, و كأنه احتجاج لجنس الرعاة, شلّ الفكر و نمّط العادات الهمجية الخاصة بالعهود الأولى للعالم) (6)
يقول بابلو تورنيلي داحضا قول سارمينتو حول القرآن: (كما اعترف هو نفسه, فسارمينتو نظر للجزائر بمنظار أوربي. كان يجهل فحوى القرآن و أسباب نزوله التي لم تكن لشعب الرعاة بل لأهل الحضر: لقد وصل الإسلام لأهل الحضر بفترة طويلة قبل أن تتبناه القبائل البدوية). (7)
3 سنوات بعد هذا المقال, تجاوز سارمينتو اكتشافه الصادم بالجزائر, و راح يفتخر باسم عائلة والدته البراسين و بأصوله المورسكسة و بنيته الجسمانية العربية. (8) فانقلب مسار تفكيره بشكل جذري.
5 - أوربا الهمجية في مواجهة الحضارة الإسلامية
خلال السنوات الأخيرة من حياته, عرض سارمينتو وجهات نظره حول محاكم التفتيش و الاضطهادات الدينية بإسبانيا خلال العصر الوسيط. لقد أصبحت الحضارة الآن في صف المسلمين و اليهود, بينما الوحشية مارسها أولئك الذين كانوا مسيطرين على شبه الجزيرة الإسبانية قبلهم. سنة 1882م, أهدى سارمينتو كتابه" Conflicto y armon?as de las razas en América" ( النزاعات و التوافقات بين الأجناس بأمريكا) لأرملة المربي الأمريكي الكبير أوراس مان Horace Mann.
¥