لقد سلك كاتبنا إذن طريق Via Augusta القديمة الرابطة بين قادش و روما, و كانت ذائعة الصيت في الفترة العربية و رابطة بين أندلوسيا و ليفانتي (11). بعدها وصل إلى قادش و منها اتجه إلى بياسة Baza. و عَبر بسطة القديمة وصل إلى القليعة ( Cùlar Baza) متّبعا الطريق الذي ذكره الإدريسي بين غرناطة و مرسية (12): بلش (البيضاء أو الشقراء) , لورقة, الحامة, ليبريا ( Librilla), قنطرة إشقاب ثم مرسية. لمّا اقترب ابن مغاور من ليفانتي Levante بدأ يشتكي من الأمطار و الأوحال, حيث يمكن اعتبار شتاء 1175م ممطرا بشكل استثنائي. التوقّف التالي كان بأوريويلا Orihuela, و بعدها مباشرة وصل للنقطة التي تهمنا بشكل خاص.
من أوريولا توجّه نحو إلخي Elche, حيث واجههم مستنقع وحلي رهيب استصعب عبوره على ابن مغاور و رفاقه –من الممكن أن واد بينالوبي Vinalope قد فاض, فأوقع هذه الكارثة المعتادة خلال قرون, حتى تمّ تهيئته بالقنوات قبل وقت قريب – و بدلا من أن يصلوا إلى إلخي, و تجنبا لفخ المستنقع, غيّروا الوجهة نحو كروبيانتي Crevilllente حيث وجدوا الطريق المبلّط أو المعبّد, لكن خوف ابن مغاور لم يتلاشى بالكلية حيث وجدوا أنفسهم أمام:
(قباب منصوبة للجزوليين (قباب جزولة) و التي تبدو كمينا بعد مغادرة السكان لها ( ... )) (13). و لم يحسوا بالأمان حتى وصلوا ل كروبيانتي. لقد استمرّ الخوف من الجزوليين في المحطّة التالية من الرحلة, و التي انتهت في بترر Petrer, حيث خُصّص استقبال سيء لقافلة ابن مغاور الصغيرة لأن سكان بيترر: (وصلتهم أخبار وجود الجزوليين, فاعتقدوا أننا طلائعهم, و نظرا لمطيتي و هيئتها, اعتقدوا أنني زعيمهم, فأرسلوا الكلاب في اتجاهنا و أوصدوا الأبواب فلم يخاطبونا إلى من خلف الأبواب أو الشبابيك, خوفا من أن نأتيهم بعذاب سيدنا و ملكنا, أمير المؤمنين ... ) (14) , في النهاية, جاء رجل من أقصى البلدة, وكان مرافقا سابقا لقائد يُدعى ابن دحنون الذي كان في خدمة ابن مردنيش ثم الموحدين, و تكلّم مع ابن مغاور و استعلم عن هوية المسافرين, فقام بطمأنة جيرانه الذين قاموا بإكرامهم. بعد بترر, اتّبع ابن مغاور المضيق في اتجاه Onteniente , ليصل أخيرا إلى موطنه شاطبة.
من خلال هذا النص المهم, نستطيع أن نستنتج وضعية الجزوليين, المستقرين بقباب بمنتصف منحدر بنالوبيٍ Vinalopé , هذا الوادي الذي شكل منذ ملايين السنين عازلا طبيعيا مرتفعا بين قمم المانش و سواحل البحر المتوسط, و عبره صمم الرومان ممر Via Augusta الذي اضطر لمغادر الخط الساحلي عند مدخل واد خوكار Jucar بسبب صعوبة المرتفعات الجبلية التي تسود الإقليم المسمى اليوم أليكانتي Alicante. هذا المضيق, الروماني ثم العربي, يعود إلى البحر المتوسط عبر المنحدر الذي سادته القلاع خلال العصر العربي: كقلاع: Villena, Sax, Petrer, Elda, La Mola de Novelda, Aspe و Crevillente وصولا إلى Elche. سكان هذه القلاع كانوا دائمي الخوف من وجود المجموعة البربرية, يتوجسون, كما في حالة بترر, أن يكون الجزوليون مبعوثين من طرف الموحدين لعقابهم بسبب تعاملهم مع ابن مردنيش, و حيث 3 سنوات قبل ذلك (في سنة 1172م) استحوذ الخليفة أبو يعقوب على وادي يينالوبي. (15)
لكن الأمور لم تكن على هذا الشكل, فالموظف الموحدي ابن مغاور أحس بنفس الخوف أمام القباب الجزولية المنتصبة قرب Crevillente . و من الواجب ذكر أن الجزوليين تعرّضوا لمذبحة على يد الموحدين بسوس (جنوب المغرب) سنة 1138م, لمّا ثاروا عليهم (16). و من الممكن أن بعض الجماعات من قبيلة جزولة وصلوا إلى الأندلس مع حلفائهم المرابطين, لكن المذبحة المغربية و انتصار الموحدين بالجزيرة الإيبرية أرداهم إلى هذه الحالة المزرية التي وصفها ابن مغاور, فهم يقيمون في أماكن بعيدة عن السكان, و الكل يتوجّس منهم خيفة.
¥