تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الطبول بأصواتِها القوية المدوية.

المقطع الثاني: التّرغيب: ويبدأ بـ (واعلموا أنَّكم إن صبرتم على الأشق قليلاً)، وينتهي بـ (والله تعالى ولي إنْجادكم على ما يكون لكم ذكرًا في الدَّارين).

وبعد أنْ فصّل في جانب الترهيب، عمد إلى الترغيب، ليبث في نفوس جنُودِه مزيدًا منَ الحماس، فحثهم على الصمود والجهاد، وأوصاهم بالصبر على مشاق الحرب مدة قصيرة ليستمتعوا بثمار النصر زمنًا طويلاً، ولينالوا رضا الله ثم رضا الخليفة (الوليد بن عبدالملك - الذي اختارهم من أبطال العرب والمسلمين لفتح تلك الجزيرة، رغبة منه في أنْ يكون حظه منهم ثواب الله - عزَّ وجلَّ - على إعلاء كلمته وإظهار دينه في هذه الأرض، ثم ذكرهم بأنَّ الله سبحانه وتعالى سيكون في عونِهم على هذا العمل الصالح الذي سيكسبهم ذكرًا حسنًا في الدارين.

أمَّا الفقرة التي وضعناها بين معقوفتين (في نص الخطبة)، فإنَّنا نرتاب في نسبتها إلى طارق، ونعتقد أنَّها من وضع بعض المستعربين (المستشرقين) الحاقدين على الإسلام والمسلمين وتدبيجهم؛ لأن ما ورد فيها لا يتلاءم والروح الإسلاميَّة العالية التي يتميز بها الفاتحون الأوائل من أمثال طارق بن زياد، فالفارق واضح بين لغة الخطبة كلها، ولغة هذه الفقرة التي يُغري طارق فيها جنوده بفتيات الأندلس وبالحور من بنات اليونان، (ولسنا ندري لماذا اليونان؟) اللائي يرْفلن باللآلئ والمرجان، وهن بنات الملوك والأمراء (كما زعموا)، فهي فقرة شاذة طغى عليها السجع طغيانًا لم نَجِدْه في سائر الخطبة من ناحية، وانحَطّت لُغتُها في الوقت نفسه إلى دركٍ لا يمكن أنْ نظنَّ معه أبدًا أنّها وبقية أجزاء الخطبة من عمل واحدٍ، إلى جانب ما جاء فيها من التَّناقُض في المعاني، وفي الأسلوب، ومن مخالفتها لحقائق تاريخية، كإقحام كلمة "اليونان" في الفقرة، في حين أنَّ المؤرخين الأندلسيين قد اعتادوا على استعمال كلمة "الروم" أو "القوط"، وكذلك اصطلاح "العلوج والعجم أو المشركين والكفار".

وفضلاً عن ذلك فإنَّ المؤرخين العرب القدماء الذين ينتمون إلى أزمنة مختلفة، وأمكنة متباعدة تجاهلوها، وكأنَّها شيء لا أصل له في الخطبة، فلم يثبتها أحد منَ المؤرخين الأوائل، أمثال: عبدالملك بن حبيب (ت 238هـ/852م). صاحب كتاب "مبدأ خلق الدنيا"، المعروف بتاريخ ابن حبيب، وابن قتيبة (ت 276 هـ/889م) صاحب كتاب "الإمامة والسياسة"، والطرطوشي (ت 520 هـ/ 1126م) صاحب كتاب "سراج الملوك"، وغيرهم. وأوّل مَن أورد هذه الفقرة في الخطبة هو ابن خلكان (ت 681هـ/ 1282م). صاحب كتاب "وفيات الأعيان". ويبدو أنَّ الفقرة قد أضيفت إلى الخطبة بعد عصر ابن خلكان عندما استولى الصليبيون على بلاد المسلمين وعبثوا بتراثهم ... إذًا فلا بد من الوقوف وقفة شكّ كبيرة أمام هذه الفقرة "ومما يزيد هذا الشك رسوخًا تلك الحقيقة التاريخية التي عُرفت عن الجيوش الإسلامية عامة - ولا سيما في تلك القرون الأولى من حملات الإسلام - وهي أنَّ هذه الجيوش لم تكن تغزو للغزو وللغنائم التي ينالها الغزاة عادة؛ بل كانت تغزو في سبيل فكرة وعقيدة".

وهذه الحقائق التّاريخية، لا تُعجبُ الصليبيين الحاقدين على الإسلام والمسلمين، فعملوا ما في وسعهم على تشويه التاريخ الإسلامي المجيد بجوانبه المتعددة، تارة بالزيادة، وطورًا بالحذف، ولكن {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].

المقطع الثالث: إبراز خطته الحربية في المعركة: ويبتدئ بـ (واعلموا أني أوّلُ مجيب إلى ما دعوتكم إليه)، وينتهي بـ (فإنّهم بعده يخذلون).

وبعد أنْ تناول جانب الترغيب مركزًا على الجانبين المادي والمعنوي معًا، انتقل إلى إبراز خطَّته الحربية في المعركة التي يقبل عليها، واضعًا كل الاحتمالات المُمكنة أمام أعينهم تجنُّبًا للاضطراب أو تصدّع الصفوف في حالة استشهاد القائد، وقد أعلن عن خطته في اللحظات الحاسمة قبل نشوب المعركة، مما يدلُّ على حنكته وبُعد نظره، ثم أخبرهم بأنَّ قتل لذريق ملك الأعداء سيسهل مهمة فتح الأندلس؛ لأن قومه سيخذلون بعد قتله، وقد اتَّخذ نفسه قدوة لجنده عندما تكفل هو بنفسه بقتل لذريق، وقال لهم: فإنْ متُّ بعد قتل الطاغية فقد كفيتكم شره، عندئذٍ تستطيعون إسناد أموركم إلى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير