سادسًا: إن طارق بن زياد لا يملك كل السفن؛ بل كانت مؤجَّرة من يوليان، وكان طارق بن زياد يعطيه أجرة عن هذه السفن، وكان سيردّها إليه عندما يرجع إلى ميناء "سبتة"، فليس من حقّ طارق بن زياد أن يحرقَ هذه السفن.
لكل هذه الأمور نقول: إنَّ قصَّة حرق السُّفن هي قصة مختلقة أشيعت؛ لتهون من فتح الأندلس.
وذكر أنصار هذا الرَّأي مجموعة منَ الأدلَّة:
1 - أنَّ طارق بن زياد لا يمكن أن يقطعَ وسيلة النجاة للعودة، خاصَّة وأنَّه في أرض مجهولة ولا يعلم مصيره ولا مصير جنوده.
2 - أنَّ طارق بن زياد أرسلَ إلى موسى بن نصير يطلب منه الإمدادات بعد أن عبر وتواجه مع جيش القوط هناك، فأرْسل له موسى بن نصير خمسة آلاف مقاتل، والسُّؤال هناك كيف استطاع موسى أن ينقل كل هذه الأعداد إذا كان طارق قد أحرق السفن؟!
3 - ويمكن أن يقالَ أيضًا: وهل تستطيع المصانع الإسلاميَّة أن توفِّر سفنًا تنقل خمسة آلاف مقاتل في تلك الفترة الوجيزة، إن كان طارق قد أحرقَ السفن.
4 - ولو قلنا مثلاً إنَّ تلكَ السُّفن التي أحرقها طارق هي مراكب يوليان حاكم سبتة، فبأي سلطة يقدم طارق على إحراق سفن الرجل؟
5 - وكيف لطارق أن يتصرَّفَ في أموال الدولة على هواه؛ بل يجب عليه أن يستأذنَ الخليفة في هذا الصنيع، ولا يَتَصَرَّفَ بنفسه.
6 - ثمَّ إنَّ طارقًا وجيشه يقاتلون من أجل عقيدة، وإنَّهم من ساعة عبورهم جاؤوا مجاهدين مُستَعدِّين للشهادة، وطارق مُتَأكد من هذه المعاني.
وتبدو صعوبة الحَسم والترجيح في هذه القضية إذ إنَّ كلَّ هذه الأدلَّة التي تَوَصَّل إليها الفريقان لها ما يبررها، رغم أنِّي أميل إلى الرأي الثاني، والله أعلم.
ومهما يكُن من سجال؛ فأغلب الرِّوايات عن تاريخ الغرب الإسلامي، يطغى عليها طابع التَّشكيك، ويعود السبب في ذلك بعدها عن مركز الخلافة الإسلاميَّة، أضف إلى ذلك إلى أنَّ أغلب الدِّراسات في هذا الباب أجنبيَّة، ممَّا يُساهم في التَّشويش على بعض الأحداث، وإخراجها عن سياقها الطبيعي!
المُهم قدر الله سبحانه وتعالى أن ينتصر الجيش الإسلامي في 28 رمضان سنة 92 هـ على جيش القوط ثم فَرَّ لذريق، واستَمَرَّ زحف طارق إلى طليطلة وأتاه الأمر من موسى بتوقف الفتوحات خوفًا على الجيش الإسلامي.
[1] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#fot up 1) - ابن عذاري المراكشي: "البيان المغرب في أخبار ملوك الأندلس والمغرب"، مكتبة صادر، بيروت، لبنان، ج2، ص: 4 وما بعدها.
[2] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref2) - ابن عذاري: نفس المرجع، الجزء الأول، ص: 43.
[3] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref3) - " صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي"، المجلد الأول، دار الفجر للتراث، القاهرة سنة 2005، ص: 311.
[4] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref4) - " زيادة ابن خلكان في وفيات الأعيان".
[5] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref5) وردت الخطبة في مصادر متنوعة: "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب": أحمد بن محمد المقري التِّلمساني، تحقيق: إحسان عباس - بيروت - دار صادر 1988. ونسخة المطبعة الأزهرية - القاهرة 1302 هـ، مج 1، ص: 240 - 241، كما وردتْ في مصادر أخرى مثل: كتاب "الإمامة والسياسية" المنسوب لابن قُتيبة، الجزائر -1998، ج2، ص: 117)، وكتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان (4/ 404)، وحاولنا إيرادها في صيغة شاملة بما في ذلك حتى بعض الفقرات المشكوك في صحَّتها؛ التي يذهب أغلب الباحثين المعاصرين بأنَّها زيدت من قبل الكتاب الأجانب الذين عبثوا في التراث الإسلامي لتحقيق أهدافهم ومآربهم الإستراتيجية.
[6] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref6) - للتَّوسع في الموضوع انظر: المقالة الرائقة للدكتور- الأكاديمي الجزائري - سعد بوفلاقة، "خطبة طارق بن زياد بين الشك واليقين".
[7] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref7) - للتوسع في الموضع الرجوع إلى كتاب "تاريخ الأدب والنصوص" لمحمد الطيب النافع وإبراهيم يوسف.
[8] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref8) - أبو عبدالله الذهبي: "أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ"، الشَّبَكة العنكبوتيَّة.
[9] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref9) - " دولة الإسلام في الأندلس منَ الفتح إلى بداية عهد الناصر"، العصر الأول، القسم الأول، الطبعة الثالثة، ص: 47.
[10] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref10) - " النبوغ المغربي في الأدب العربي"، الجزء الأول، الطبعة الثانية،1960 ص: 42. وانظر مقالته: "حول خطبة طارق في مجلة دعوة الحق"، العدد: 6 - 7 السنة 11.
[11] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref11) - " النبوغ المغربي في الأدب العربي"، الجزء الثاني، الطبعة الثانية،1960 ص: 23.
[12] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref12) - " الخطيب البغدادي": تاريخ بغداد 1: 43.
[13] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref13) - ابن عذاري: نفس المرجع، الجزء الثاني، ص:5
[14] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref14) - أحمد زكي صفوت، "جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة"، المكتبة العلمية - بيروت، الموسوعة الشاملة.
[15] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref15) - الإدريسي: "نزهة المشتاق" (ص 36)
[16] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftnref16) - الحميري: "الروض المعطار" (ص 75).
ــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات صلة
الحضارة العربيّة في الأندلس وأثرها في أوربا ( http://www.alukah.net/articles/1/300.aspx)
فتح الأندلس ( http://www.alukah.net/articles/1/1597.aspx)
الأندلس .. درس لم نستوعبه ( http://www.alukah.net/articles/1/2073.aspx)
فتح الأندلس ( http://www.alukah.net/articles/1/3522.aspx)
المصدر: http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx