مهابا يعلوه النور و الجلال، و مجلسه المذاكرات العلمية، و يكره توسعة الكلام في الامور الدنيويه،
حسن الخلق، طليق الوجه، يحب صلة الرحم، يكرم الضيف، متواضعا يلاطف الناس و يحدثهم،
فطنا حاذقا عالما بفنون أهل العصر و أحوالهم، متضلعا في علم السنة، قوي الحجة على أهل
البدع و الفرق الضالة.
رحلته الدعوية في الديار النابلسية
و لما تقضت أيام طلبه للعلم بدمشق الشام قفل راحلا الى وطنه و قريته التى نشأ بها، و شرع
فيها يبث العلوم، بيد أن غيوم أهل القرى تغطي بدور العلماء، و تستر فخر الفضلاء، فرحل منها
الى مدينة نابلس أعزها الله بالاسلام، و اتخذها دار وطن و قرار، و سكن بين أهلها السادة
الأخبار، ذوي الشيم المرضية، و المكارم الحاتمية حفظهم الله تعالى من كل سوء و بليه، و
أدام النعم عليهم رب البريه بمنه و كرمه، فشمر الشيخ عبد الله رحمه الله عن ساعد الجد و
الاجتهاد، و صرف نفيس وقته في نفع العباد، و أنشئت لأجله المدرسة الصلاحية الكائنة بالجامع
الصلاحي الكبير بنابلس المحمية، أنشأها حضرة المحترم الماجد الفاخر المرحوم باذن الله
محمود أفندي الطاهر، و كان نعم الصاحب للشيخ رحمه الله، فهرعت اليه الطلاب من جميع
الجهات من القرى و القصاب، و بقي رحمه الله مداوما على التدريس حتى أفاد و استفاد و بلغ
المنى ان شاء الله و المراد، و انتفع به خلق كثير، و حصل من أنفاسه الطاهرة فتوح كبير، فعادت
بركته على جميع الاخوان، و علت رتبته بين الأقران، و كانت رحمه الله مدة اقامته في نابلس
حماها الله خمسة و أربعين سنة، صرفها بالتدريس للخاصة و العامة، الى أن دخلت سنة الف
و ثلثماية و ثمانية عشر من الهجرة النبوية، فقد سافر رحمه الله الى بلد خير خلق الله فنال شرفا
بالمجاورة في حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم.
رحلته الحجازية
في سنة الف و ثلثماية و ثمانية عشر شرح الله جل في علاه صدر الشيخ رحمه الله للسفر الى
بلد الله الحرام، و كان عمر الشيخ اذ ذا سبعين سنة، فشرع في السفر قاصدا مكة المكرمة،
متوكلا على رب الأرباب، مستمدا بمعونة الملك الوهاب، فأد فريضة الحج، و أتم فعل المناسك
الشرعية، فتوجه من مكة المكرمة نحو طيبة المدينة النبويه، و جاور فيها، و اشتغل بقراءة الدروس
في الحرم النبوي الشريف، فاشتهر فضله، و ارتفع ذكره، و أحبه أهل المدينة عموما، و لا سيما
السادة الكرام جماعة الشروق، أصلهم من نجد، حنابلة يستوطنون المدينة النبويه، (قلت و أنا
الصغير الضعيف، هذا ديدن الحنابلة من أهل نجد الى وقتنا الحاضر، يوقرون العلم و أهله، و لذالك
أ كرمهم الله بأن جعل بلادهم مظانا للعلم، فنجد اليوم ببركة أسلافهم العلماء و طلاب العلم، وجهة
العطشى من طلاب العلم، فحمى الله نجد، و أنزل عليها البركات)، فأنزلوه بينهم في بيوتهم، و
أكرموه غاية الاكرام، و خدموه على غاية ما يرام، لانه لم يوجد علماء حنابلة في ذلك الزمان، و
كاد الفقه الحنبلي يذهب من هاتيك البقاع، فشرع رحمه الله ينشر مذهب امامه الامام أحمد،
و اجتمع عنده الطلبة أكثرهم من الشروق (أي من نجد حماها الله)، و قد أقام رحمه الله في
النبوية ثلاثة عشر عاما، و حج ست حجات، و كان رحمه الله يزور نابلس في كل سنة، و يقيم
فيها ثلاثة أو أربعة أشهر، فيصل رحمه و يزور أقاربه، و يشاهد عياله، ثم يرجع الى طيبة المدينة
النبوية، يقوم فيها بوظيفة التدريس و نشر العلم، و كان يحضر دروسه علماء المدينة و أشرافها
و غيرهم من علماء الأقطار البعيدة، و الذين هاجرو من بلادهم لله و رسوله، و طلبو منه رحمه الله
الاجازة، فأجازهم في علوم متنوعة، و فنون مختلفه، و قد تزوج الشيخ رحمه الله في المدينة
في المدينة النبوية و لم يعقب منها أحدا، و كان الشيخ رحمه الله يحب العزلة عن الناس، فكان
يستوحش من أهل الدنيا، و كان يخالط جماعة من العلماء الأبرار، و الفضلاء الأخيار.
مؤلفاته
و قد ترك الشيخ رحمه الله تصانيف كثيرة نذكر منها:
1) المنهج الأحمد في درء المثالب التى تنمى لمذهب الامام أحمد
2) بغية النساك في البحث عن ماهية الصلاح و الفساد
3) هدية الراغي: و هو مرتب ترتيب أبواب البخاري
¥