تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

معنى:وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ من كلام ابن قيّم

ـ[آبو ريّان الفيفي]ــــــــ[19 - 04 - 09, 09:11 ص]ـ

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} الأنعام 55, وقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} النساء115. والله تعالى قد بين في كتابه سبيل المؤمنين مفصّلة, وسبيل المجرمين مفصّلة, وعاقبة هؤلاء مفصّلة, وأعمال هؤلاء وأعمال هؤلاء وأولياء هؤلاء, وأولياء هؤلاء وخذلانه لهؤلاء وتوفيقه لهؤلاء, والأسباب التي وفق بها هؤلاء, والأسباب التي خذل بها هؤلاء, وجلا سبحانه الأمرين في كتابه وكشفهما وأوضحهما, وبيّنهما غاية البيان, حتى شاهدتهما البصائر كمشاهدة الأبصار للضياء والظلام

.

فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية, وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية, فاستبانت لهم السبيلان كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده, والطريق الموصل إلى الهلكة. فهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم, وهم الأدلاء الهداة, وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة. فإنهم نشأوا في سبيل الضلال والكفر والشرك والسبل الموصلة إلى الهلاك وعرفوها مفصّلة, ثم جاءهم الرسول فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى, وصراط الله المستقيم, فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام, ومن الشرك إلى التوحيد, ومن الجهل إلى العلم, ومن الغي إلى الرشاد, ومن الظلم إلى العدل, ومن الحيرة والعمى إلى الهدى والبصائر, فعرفوا مقدار ما نالوه وظفروا به, ومقدار ما كانوا فيه. فإن الضد يظهر حسنه الضد, وإنما تتبين الأشياء بأضدادها. فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا إليه, ونفرة وبغضا لما انتقلوا عنه, وكانوا أحب الناس للتوحيد والإيمان والإسلام وأبغض الناس في ضده, عالمين بالسبيل على التفصيل.

وأما من جاء بعد الصحابة, فمنهم من نشأ في الإسلام غير عالم تفصيل ضده, فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين, فإن اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما كما قال عمر بن الخطاب:" إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية" وهذا من كمال علم عمر رضي الله عنه, فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه من الجاهلية, فإنها منسوبة إلى الجهل, وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل. فمن لم يعرف سبيل المجرمين, ولم تستبن له, أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين, كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد والعلم والعمل هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل, أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين, ودعا إليها, وكفّر من خالفها, واستحل منه ما حرمه الله ورسوله, كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم, ممن ابتدع بدعة, ودعا إليها, وكفّر من خالفها.

والناس في هذا الموضع أربع فرق:

الأولى: من استبان له سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين على التفصيل علما وعملا, وهؤلاء أعلم الخلق. الفرقة الثانية: من عميت عنه السبيلان من أشباه الأنعام, وهؤلاء بسبيل المجرمين أحضر, ولها أسلك. الفرقة الثالثة: من صرف عنايته إلى معرفة سبيل المؤمنين دون ضدها فهو يعرف ضدها من حيث الجملة والمخالفة, وأن كل ما خالف سبيل المؤمنين فهو باطل وإن لم يتصوره على التفصيل, بل إذا سمع شيئا مما خالف سبيل المؤمنين صرف عنه سمعه, ولم يشغل نفسه بفهمه, ومعرفة وجه بطلانه, وهو بمنزلة من سلمت نفسه من إرادة الشهوات فلم تخطر بقلبه ولم تدعه إليها نفسه, بخلاف الفرقة الأولى, فإنهم يعرفونها وتميل إليها نفوسهم ويجاهدونها على تركها لله. وقد كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن هذه المسألة أيهما أفضل: رجل لم تخطر له الشهوات ولم تمر بباله, أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها لله؟ فكتب عمر: أن الذي تشتهي نفسه المعاصي ويتركها لله عز وجل من: {الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} , ذكره ابن كثير في التفسير 4207

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير