تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعزّاه للإمام أحمد في كتاب الزهد وإسناده منقطع لأن مجاهد بن جبر لم يسمعه عن عمر بن الخطاب. وهكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضها لله, وحذرها وحذّر منها, ودفعها عن نفسه, ولم يدعها تخدش وجه إيمانه, ولا تورثه شبهة ولا شكا, بل يزداد بمعرفتها بصيرة في الحق ومحبة له, وكراهة لها ونفرة عنها, أفضل ممن لا تخطر بباله ولا تمر بقلبه. فإنه كلما مرت بقلبه وتصورت له ازداد محبة للحق ومعرفة بقدره وسرورا به, فيقوى إيمانه به. كما أن صاحب خواطر الشهوات والمعاصي كلما مرت به فرغب عنها إلى ضدها ازداد محبة لضدها ورغبة فيه, وطلبا له وحرصا عليه, فما ابتلى الله سبحانه عبده المؤمن بمحبة الشهوات والمعاصي وميل نفسه إليها إلا ليسوقه بها إلى محبة ما هو أفضل منها, وخير له وأنفع وأدوم, وليجاهد نفسه على تركها له سبحانه, فتورثه تلك المجاهدة الوصول إلى المحبوب الأعلى. فكلما نازعته نفسه إلى تلك الشهوات واشتدت إرادته لها وشوقه إليها: صرف ذلك الشوق والمحبة والإرادة إلى النوع العالي الدائم, فكان طلبه له أشد وحرصه عليه أتم, بخلاف النفس الباردة الخالية من ذلك, فإنها وإن كانت طالبة للأعلى لكن بين الطلبين فرق عظيم. ألا ترى أن من مشى إلى محبوبه على الجمر والشوك أعظم ممن مشى إليه راكبا على النجائب! فليس من آثر محبوبه مع منازعة نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها إلى غيره, فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات, إما حجابا له عنه, أو حاجبا له يوصله إلى رضاه وقربه وكرامته. الفرقة الرابعة: فرقة عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة وسبيل المؤمنين مجملة, وهذا حال كثير ممن اعتنى بمقالات الأمم ومقالات أهل البدع, فعرفها على التفصيل ولم يعرف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك, بل عرفه معرفة مجملة وإن تفصلت له بعض الأشياء. ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عيانا. وكذلك من كان عارفا بطريق الشر والظلم والفساد على التفصيل سالكا لها, إذا تاب ورجع عنها إلى سبيل الأبرار يكون علمه بها مجملا غير عارف بها على التفصيل معرفة من أفنى عمره في تصرفها وسلوكها.

والمقصود أن الله سبحانه يحب أن تعرف سبيل أعدائه لتجتنب وتبغض, كما يحب أن تعرف سبيل أوليائه لتحب وتسلك. وفي هذه المعرفة من الفوائد والأسرار ما لا يعلمه إلا الله من معرفة عموم ربوبيته سبحانه وحكمته وكمال أسمائه وصفاته وتعلقها بمتعلقاتها واقتضائها لآثارها وموجباتها. وذلك من أعظم الدلالة على ربوبيته وملكه وإلهيته وحبه وبغضه وثوابه وعقابه, والله أعلم.

الإمام ابن قيّم الجوزيّة

ـ[أبو عبد الرحمان القسنطيني الجزائري]ــــــــ[19 - 04 - 09, 12:18 م]ـ

جزاكم الله خيرا

لقد ذكرتني بكلام قرأته منذ مدة

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير