تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 - كانت الدول العربية فى ذلك الوقت خاضعة للاحتلال، ومن ثم فقد كان المتطوع العربى يدرج اسمه فى خانة الدولة التى تحتل بلاده. وقد اهتمت الدول الاستعمارية المشاركة فى حرب إسبانيا ببطولات أبنائها فقط، ولم تكن الدول العربية فى وضع يسمح لها بفعل الشيء نفسه مع المتطوعين من أبنائها.

3 - السبب الثالث، وهو الأهم: لقد غطت مشاركة القوات النظامية المغربية إلى جانب فرانكو - وما ارتكبته من فظائع- على أنباء انضمام متطوعين عرب فى صفوف الجمهورية، إذ تراوح عدد المغاربة فى قوات فرانكو بين سبعين ألفا (فى أقل التقديرات) و ثلاثمائة ألف (فى أقصى تقدير) على أن رقم مائة ألف قد يبدو قريبا من الصواب.

مع الحرب الأهلية الإسبانية حدث تغير كامل فى موقف الفكر الإسبانى من الحضارة العربية الإسلامية، فلأول مرة يقف اليسار الإسبانى موقف الرافض لثقافتنا: لقد أدت الفظائع التى ارتكبها الجنود المغاربة، ثم ما أعقب ذلك من دخول فرانكو مدريد محاطا بجنود مغاربة…أدى كل ذلك إلى أن يتحول لفظ "مورو" إلى مرادف للوحشية والظلم والهمجية.

وربما لأول مرة فى تاريخ الفكر الإسبانى نجد اتجاها عاما مؤيدا للعرب والمسلمين بين المحافظين الإسبان. لقد دافع هؤلاء عن قيم الحضارة العربية الإسلامية وقالوا إنه من الطبيعى أن يشترك المسلمون والمسيحيون – وهم يؤمنون بإله واحد- فى وجه عدو مشترك لا يؤمن بإله ولا بدين. وقد تطوع البعض الآخر فزعم أن الإسبان والمغاربة كانا فى الأصل شعبا واحدا فى أحقاب سابقة ولم يفرقهما البحر إلا منذ زمن قليل نسبيا!

على أن المتأمل لتطورات الحرب واشتراك المغاربة فى الحرب إلى جانب فرانكو يجد أن الدين لا علاقة له بموقف المغاربة: كان هؤلاء يطمعون فى الاستقلال وحاربوا قوات الاحتلال الإسبانى من أجل ذلك الهدف، فلما بدأت الحرب طالبوا الفريقين - كلا على حدة- بحقهم المشروع فى الحرية وتقرير المصير. راوغ الجمهوريون فى بداية الحرب، أما فرانكو فقد كان واضحا فى عرضه: إنه " يتفهم" تطلعات شعب المغرب ورغبته فى الحرية، ولا يمانع فى منح الحكم الذاتى – بل والاستقلال – للمغرب. من أجل ذلك انضم المغاربة إليه.

ومما يؤكد مكانة فرانكو لدى المغاربة آنذاك أنهم أطلقوا عليه لقب "سيدى فرانكو". أما فى بقية الدول العربية فقد ذاع صيته كمناصر للشعوب المستعمرة، وهكذا استحق لقب "صديق العالم العربى". الدراسة التى أقوم بها لم تكتمل بعد، ولهذا فإننى لا أدرى الترتيب الزمنى لبعض الأحداث، لكن الشيء المؤكد هو أن فرانكو قد تحمل نفقات بناء مسجد ونفقات رحلة الحج لعدد كبير من الأشخاص.

وهناك عاملان آخران لا يمكن أن نغفلهما أديا إلى انضمام البعض إلى قوات فرانكو:

1 - الفقر كنتيجة طبيعية للجفاف الذى تعرضت له مناطق مغربية قبيل اندلاع الحرب الأهلية، وقد أدى الجفاف إلى انعدام وسائل المعيشة فى بلد يعتمد أساسا على الزراعة والرعى، وهكذا أصبح التطوع فى جيش فرانكو الوسيلة الوحيدة تقريبا لإعالة الأسر المغربية المقيمة فى تلك المناطق.

2 - رغبة أهل المغرب فى امتلاك السلاح لمحاربة المحتل، فقد كان اشتراك المغربى فى الحرب يعنى بالضرورة تسلمه بندقية وتدريبه على استعمالها، وكانت هذه هى الطريقة المتاحة آنذاك للحصول على سلاح.

3 - بعض من ذهبوا إلى إسبانيا لم يذهبوا بمحض إرادتهم، بل اختطفتهم قوات فرانكو من بيوتهم ومن مزارعهم ورحلتهم قسرا إلى إسبانيا، وقد اعترف بذلك بعض الأسرى المغاربة الذين سقطوا فى قبضة الجمهوريين.

4 - البعض الآخر ذهب إلى إسبانيا طمعا فى الحصول على المال، وقد وعد فرانكو بعضهم وعودا مغرية.

إن موقف الجمهورية الإسبانية من المغرب قبيل الحرب الأهلية وفى أثنائها لم يكن يقدم للزعامات المغربية خيارات كثيرة، فالجمهورية رفضت منح المغرب الاستقلال، ثم هى سعت إلى استغلال المغرب –كمنطقة تابعة لها- كسلعة تبيعها لمن تشاء للحصول على مقابل، وقد أبدت بالفعل استعدادها للتنازل عن المغرب لصالح فرنسا أوانجلترا فى مقابل ضمان مساندة إحدى الدولتين لها ضد فرانكو. إذن فلم يكن هناك خيار أمام المفاوض المغربى سوى خيار فرانكو.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير