ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[26 - 05 - 09, 01:55 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فتح الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس مجلاته وصحفه أمام العلماء والكتاب والأدباء ليبرزوا الإسلام الصحيح لقرائهم، وينشروا فيهم الوعي والثقافة النابعة من أصالتهم الإسلامية، بأسلوب صريح مدعم بالحجج التي لا تقبل النقض، مبينين لهم ضلالات وخرافات الطرقية الضالة، وقد تزعم الشيخ العقبي وبعض الكتاب هذه الحملات التي كان وقعها شديدا على مشايخ الطرق ومريديهم وأذنابهم، مما دعاهم إلى أن يفزعوا إلى الشيخ ابن باديس وإلى والده محمد المصطفى ابن باديس ليطلبا منهما توقيف هذا السيل الجارف من المقالات التي لم تميز بين جميع شيوخ الطرقية، ودعمهم في مطالبهم الشيخ أبو يعلى الزواوي، وكذا الشيخ المولود الحافظي الأزهري، كما كتب عبد الحفيظ بن الهاشمي مدير جريدة " النجاح " مقالات يحث فيها ابن باديس على توقيف تلك الحملات، فاستجابت لهم إدارة الشهاب، وكتبت مقالا تحت عنوان: " في سبيل الوفاق والتفاهم" تؤيد هذا المسعى وتطلب من كتابها التوقف مؤقتا عن هذه المقالات، ومما جاء فيه:
(( ... كانت مسألة إصلاح الزوايا أثارت حربا قلمية بين كتاب "حزب الإصلاح" والكتاب "المحافظين" وكثيرا ما بلغ الأمر ببعض الكتاب الى مشادة عنيفة، وان كانت هذه الصحيفة نشرته للفريقين وان كان اكثر ما نشرته لانصارها الاولين
... قد وقف السادة الكتاب "المحافظون" بإيقاف رصيفتنا " النجاح" الغراء لهم، وها نحن نوافقها على ذلك ونرجو من حضرات كتاب "حزب الإصلاح" أن يقفوا مشكورين على ما أبدوه من الصراحة في الرأي والمقارعة بالحجة والقوة في الحق فهم ولا فخر أول من ظهر من الأمة الجزائرية مستكملا لهذه الصفات، يقفوا لتنتهي المعركة فتصفوا الصدور، وعساها حينئذ أن تسعى للوفاق والتفاهم)).
العدد 19، الخميس 11 رمضان 1344هـ / 25 مارس 1926م
تلاه في العدد 20 مقال آخر جاء فيه: (( ... لنا مجتنيات مما تنتجه عقول الكتاب في الكتب والصحف والمجلات نريد أن نفيد الأمة بها، لنا شؤون عالمية نريد أن نطلع الأمة عليها، وهذه اليوم أهم من مسألة إصلاح الزوايا التي أخذت حقها فوجب تركها والاشتغال بما هو أهم منها)).
ولما اطلع الكتاب على هذين المقالين، منهم من اقتنع ووافق، فتوقف عن الكتابة في هذا الموضوع، ومنهم من عارض الفكرة وثارت ثائرته، كالشيخ الطيب العقبي الذي أعتبر هذا الموقف من إدارة الجريدة ضعف من أهل الحق يؤدي إلى ضعف الحق أمام جحافل الباطل، و أعلن صراحة مقاطعته للجريدة وعدم الكتابة فيها، وكذا محمد العزوزي حوحو العقبي الذي نشرت له الشهاب مقالة بعنوان: " كم هي أبواب الإصلاح وانتم عنها غافلون" يلوم فيها الإدارة على هذا الموقف، ويحمل عليها واصفا إياها بالمستبدة، ورغم شدة كلامه وقوة معارضته، إلا أن الإمام عبد الحميد بن باديس نشر له هذه المقالة مما يدل على سعة باله وتقبله للنقد، وها هو المقال أنقله بنصه لما فيه من روح إصلاحية وثورية، وكذا لما احتواه من فوائد وعبر:
((لقد أسكتنا الشهاب وكّم أفواهنا واستبد استبدادا دون استبداد القوم وتحكم تحكما ما كنا لنقبله لو وجدنا عنه مندوحة أو استطعنا إرجاعه عن عزمه.
حافظ على وعده ولا محافظة السموأل على أمانته، وأبى أن يسمع منا أي كلمة في الموضوع، علما منه انه الوحيد.
تِهْ دلال يا شهاب انك وحدك الذي نيطت بك الآمال، وجعلتك ميدانها الرجال، تظهر فيك ما لها من جلائل الأعمال، تِهْ دلال يا شهاب، انك الوحيد فينا ولولا وحدتك ما رضينا، انك القوي وإلا لما حسن منك الاستبداد، كل فرد محبوب، وكل عديم نظير مرغوب، فأنت انت المحبوب وأنت يا شهاب المرغوب!
ولئن ضربت على استرحاماتنا صفحا، وطويت عن احتجاجاتنا كشحا، فقد اهتدينا بنجومك، وسلمنا من رجومك، فالحمد لله على السلامة!
أعربت النخبة التي تصدر الشهاب بمنشورها الأخير على أنها لا تريد أن تكون صحيفتها لسان الحزب الإصلاحي الديني وإلا لما رأينا مقالها " في سبيل الوفاق " مدعية أن المسألة أخذت حقها!
مسألة أسست من اجلها الجمعيات، وتفرغت لمحاربتها المجلات، وكرس الأئمة الأعلام لنقدها الحياة، يقول لنا الشهاب أنها أخذت حقها، واستوفت من البحث قسطها، في أقل من ستة أشهر، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ...
¥