يعتبر الشيخ محمد خير الدين رحمه الله من قادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ومن رجال الإصلاح المرموقين، فقد كان من أعضاء المجلس الإداري منذ السنوات الأولى لتأسيسها، كما تولى منصب المراقب العام ثم نائب رئيس الجمعية، وقد تفضل بكتابة ونشر ذكرياته مع الجمعية وأعماله ومساهماته في ثورة التحرير ضد المستدمر الفرنسي الغاشم في كتاب من جزئين منفصلين تحت عنوان " مذكرات" نقتطف منه بعض المواقف:
" حوار بيني وبين الأب شارل دو فوكو"
انتشرت في الصحراء أنباء الحركة الإصلاحية وزيارة الشيخ عبد الحميد بن باديس لبسكرة [سنة 1931 م] مما دعا رئيس المركز الثقافي للمبشرين المسيحيين بمدينة ورقلة إلى زيارتي والتحاور معي حول الدين والعقيدة الإسلامية، وهو نوع من أنواع الجدل الديني تصدت له النهضة الإصلاحية ورجالها لتصحيح مفاهيم الإصلاح وإقناع خصومه بالحجة والبرهان، ورئيس هذا المركز لبناني الأصل، مسيحي متعصب متمكن من اللغة العربية مطلع على ما يردده أعداء الإسلام وأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
زارني عدة مرات في مكتبي بمدرسة الإخاء ببسكرة ودارت بيننا مناقشات حول بعض آيات القرآن الكريم وما يعارضها حسب زعمه من تعاليم الإنجيل، وتكررت اللقاءات وطال الجدل، فاقترحت عليه أن يقدم لي آراءه مكتوبة وأجيب عنها كذلك لان المشافهة تمضي والكلام المدون يبقى شاهد عدل بين المتناظرين، اقتنع بذلك وقدم لي كراسة تتضمن آرائه فأجبته بكراسة مماثلة تنقض آرائه.
ومع الأسف الشديد فقد ضاعت هذه الكراسة من بين ما ضاع من كتبي ومذكراتي عندما استولت السلطة الاستعمارية على مكتبي ببسكرة أيام حرب التحرير.
وكان آخر سؤال وجهته له كتابة وطلبت منه الإجابة كتابة أيضا:
أعرض عليك قائمة بأسماء شخصيات كبيرة من العلماء والفلاسفة والمفكرين من جنسيات مختلفة تخلوا عن عقيدتهم المسيحية، واعتنقوا الإسلام اختيارا عن عقيدة واقتناع بعد تأمل ودراسة، فهل لك أن تقدم لي نظير ذلك أسماء بعض الشخصيات الهامة من علماء المسلمين ومفكريهم الذين تخلوا عن دينه ودخلوا المسيحية إقناعا واختيارا.
غير انه لا ينبغي أن تذكر لي أسماء هؤلاء المسلمين المستضعفين الفقراء الجهلاء من النساء والمرضى واليتامى الذين جمعهم المبشرون المسيحيون في دور الحضانة وحاولوا تنشئتهم على المسيحية وتحويلهم عن دينهم تحت هذه الظروف الطارئة، وقلت له إني انتظر الجواب كتابة عن السؤال، فلم يجبني ولم يحاول الاتصال بي بعد ذلك اليوم ... " [/ b]
الشيخ محمد خير الدين
مذكرات الجزء 1 / الصفحة 84.
مؤسسة الضحى – الجزائر-
الطبعة الثانية 2002م.
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[21 - 06 - 09, 12:10 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نواصل سرد بعض المواقف التي ذكرها الشيخ خير الدين رحمه الله، كتب في مذكراته عن علاقات الاخوة والصداقة، والمحبة التي كانت تربط بين علماء الجمعية، ومنها:
- يروي لنا الأستاذ محمد بن الشيخ مبارك الميلي قصة تعكس مدى العلاقة الوثيقة بين أعضاء هذه الجمعية حيث يقول في كتابه " عروبة اين باديس
":
(( ... وذات ليلة بينما كان معنا والدنا الشيخ محمد الميلي، فتوقف فجأة عن الضحك وعلت وجهه سحابة من الكآبة والحزن لمحت خلالها دمعة جاهد في إخفائها فلم تظهر للآخرين، ثم أرسل زفرة حارة لم نأبه لها أن تعكر الجو، وقال أنا بين أهلي وأولادي والشيخ البشير الإبراهيمي هناك منفى في أعماق الصحراء بعيدا عن أهله وذوبه!! ولم نر منه بعد ذلك ابتسامة وأكمل السهرة معنا وكأنه غائب لا بسمع لقول ولا يهم بسؤال.
أليس هو شعور الصداقة الذي يسيطر مرة أخرى على هذه العلاقة التي تربطه بأقرانه في الجهاد)).
- ... ويتابع الأستاذ محمد بن مبارك الميلي حديثه فيقول:
¥