يبدو الإمام في منتهى الشجاعة في التعبير عن رأيه، فقد كان " ... رحمه الله جريئًا في غير تهوّر، شجاعًا في غير حمق، يطرح مواقفه، ويعرض قضايا الأمة ومشكلاتها، وكلّه استعداد للبذل والتضحية، غير مبالٍ بصولة المستعمر وظلمه، متمثلاً قول الرسول صلى الله عليه و سلم: (" أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ " [أبو داود ح (4334)، والترمذي ح (2265)، والنسائي، كتاب البيعة، باب فضل من تكلم بالحق، ح (4220) وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع: (1/ 163)].
وإلى المقال:
" مؤتمر معلمي اللغة الفرنسية بقسنطينة"
عقدت جمعية معلمي اللغة الفرنسية من المسلمين مؤتمرها السنوي بقسنطينة، فانتهز أستاذنا عبد الحميد بن باديس فرصة انعقاد هذا المؤتمر، وأقام حفلة تكريم لأعضائه وألقى فيها خطابا نقتطف منه ما يلي:
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الإخوان
إننا نلتقى معكم في ميدان نشر العلم وإعداد نشء الأمة لخدمة الجزائر النهوض بالشعب الجزائري إلى مستوى الشعوب الراقية، إن مجتمعنا في حاجة إلى العلم فمن نشره باللغة الفرنسية فقد خدمه، ومن نشره باللغة العربية فقد خدمه، وما دام العلم واحد فلا ضير في تعدد لغاته"
أيها الإخوان ...
" إن على المدرسين بالعربية والفرنسية في الجزائر أن يتعاونوا على توجيه أبنائنا نحو هدف واحد وهو خدمة دينهم ووطنهم ورفع شأن أمتهم، ونجاحهم يتوقف طبعا على مقدار ما يبدبه المعلمون منا ومنكم من الاستعداد للتعاون والتفاهم بينهم، وإذا أبت أوضاعنا إلا أن ينشأ كثير من أبنائنا في مدارس أجنبية في لغتها عن دينهم وقوميتهم ولغتهم وتاريخهم، فإن من واجبنا جميعا إلا أن نأبى إلا توحيدهم وإخضاع ما تعلموه من لغات الأجانب لصالحهم وصالح شعوبهم"
أيها الإخوان ....
إننا لا ننكر أن اللغة الفرنسية لغة علمية وعالمية معا، ولكن الاستعمار يريد أن تكون أداة لفرنسة أبنائنا وصرفهم بها عن لغتهم وجزائريتهم فكان عليكم أن تثبتوا له بمؤتمركم أنكم جزائريون تعّلمون جزائريين لا فرنسيين، كما كان علينا معاشر معلمي العربية أن نثبت له أننا لا نبغض اللغة الفرنسية ولا نحاربها، ولكننا لا نرضى بحال مهما انتشرت وتعددت مدارسها، أن تخلف لدى أبنائنا لغة قومنا وديننا ووطننا، وإن في إقبال الشعب على تأييدنا اليوم فيما نؤسسه من مدارس ومعاهد لتعليم أبنائه لغتهم على بالرغم ما نلقاه من مضايقات إدارية لرَّدُ فِعْلٍ ضد السياسة الاستعمارية التعليمية القائمة على محاربة اللغة العربية ... "
بعزيز بن عمر
"من ذكرياتي عن الإمامين الرئيسين عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي"
منشورات الحبر: بني مسوس، الجزائر ط2 سنة 2007 م
ص 85 - ص86
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[20 - 05 - 10, 02:09 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعتبر الشيخ الامام الإبراهيمي الرئيس الثاني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أحد رجال الاصلاح الذين كان لهم دور كبير في توعية الشعب الجزائري ومحاربة الدجل والطرقية والشعوذة داعيا إلى العودة والتمسك بمناهج القرآن الكريم والسنة الشريفة، وقد مات الابراهيمي وهو يشعر كغيره من رجال النهضة والاصلاح الإسلامي بشيء يحز في نفسه حزا، وهو عجز المسلمين شعوبا ودولا وحكومات في الأغلب الاعم في تحكيم الاسلام في شؤونه والسر على أضوائه وانوار تعاليمه، وكأنهم اكتفوا بالانتساب اليه، والحال ان ما اصابهم من المثلات والنكبات وعطلهم عن السير في ركب الحياة في القرون الأخيرة كان بسبب اعراضهم عن هدي القرآن الكريم وإنحرافهم عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما انهم لما ارادوا ان ينهضوا من كبوتهم ويستيقضوا من سباتهم العميق ما كان لهم ذلك إلا
على صوت الاسلام المئوب الذي ردده رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ممن يقيضهم الله في كل زمان ومكان لرأب الصدع وجبر الكسر، وإحياء ما اماته الجهل من القيم والفضائل في مجتمعاتهم.
" ... قلت في مجلس من مجالسه مرة " يكفى هؤلاء المصلحين جزاء على ما قدموا من أعمال وتضحيات في سبيل انهاض المسلمين وجمع كلمتهم أن إحدى امانيهم الكبرى قد تحققت وهي استقلال البلدان الاسلامية وعودة السيادة المسلوبة اليها بعد طرد المستعمرين العاصبين".
فقال الاستاذ رحمه الله: " إن في صدور رجال الاصلاح و النهضة الإسلامية أمنية أخرى لا تقل أهمية وشأنا عن الأولى لما بينهما من إرتباط متين، وتلك هي تعزيز السيادة الوطنية بتعاليم الإسلام والسير على هديه وتحكيمه في كل شؤون المسلمين، وبذلك يكون المسلمون قد استكملوا لأوطانهم السيادتين الزمنية والروحية تطبيقا لقوله عز وجل في القرآن [الكريم]: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].
بعزيز بن عمر
"من ذكرياتي عن الإمامين الرئيسين عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي"
منشورات الحبر: بني مسوس، الجزائر ط2 سنة 2007 م
ص 119