2 - الخطر الديمغرافي
اعتُبر ارتفاع نسبة النمو لدى الأندلسيين من أكثر النقاط التي أثارت انتقادات النصارى. و قد عبّر عن ذلك الأديب الاسباني الشهير ثيرفنتس في روايته " Persiles y Segismunda" حيث ذكر:"لم تكن بينهم الرهبانية, و لم يكونوا متدينين؛ جميعهم يتزوجون, جميعهم يتكاثرون". فالنصرانيكان يكتفي بالزواج بإحدى قريباتهأو يلتحق بالكنيسة أو الجندية. هكذا ازداد الخوف من أن يخرج النمو الديمغرافي للأندلسيين عن السيطرة فيشكل خطرا على هوية الدولة الكاثوليكية. من أجل ذلك طُرحت عدة حلول منها إخصاء جماعي للذكور المسلمين أو إرسالهم لأداء الأعمال الشاقة في المناجم و السفن حيث لا أمل في العودة للحياة. لكن هذه المشاريع لم تر النور لأن "الكنيسة رأفت بهم و اختارت أرحم الحلول و هو طردهم من إسبانيا".
يقول الشهاب الحجري الأندلسي – الذي فرّ من إسبانيا إلى المغرب سنوات قليلة قبل الطرد- محاولا تفسير إخراج المسلمين من موطنهم: " اعلم أن أهل الأندلس كانوا مسلمين في خفاء من النصارى, و لكن يظهر عليهم الإسلام و يحكمونه فيهم. و لمّا تحقق منهم ذلك لم يأمن فيهم و لا كان يحمل منهم أحدا إلى الحروب, و هي التي تفني كثيرا من الناس. و كان أيضا يمنعهم من ركوب البحر لئلا يهربوا إلى أهل ملتهم, و البحر يفني كثيرا من الرجال. و أيضا في النصارى كثيرون قسيسون و رهبان و مترهبات, و بتركهم الزواج ينقطع فيهم النسل. و في أهل الأندلس لم يكن فيهم قسيسون و لا رهبان و مترهبات, إلا جميعهم يتزوجون و يزداد عددهم بالأولاد و بترك الحروب و ركوب البحر. و هذا الذي ظهر على إخراجهم لأنهم بطول الزمن يكثرون". (5)
3 - أخطار الغزو الخارجي
حسب الرواية الإسبانية, ظل الأندلسيون على اتصال مستمر بمجاهدي البحر الأتراك و المغاربة, يُوفّرون لهم المعلومات و الدعم عند نزولهم في سواحل إسبانيا لمهاجمة النصارى و حمل المسلمين إلى العدوة الأخرى.
* الخطر المغربي:
ضخّم المروّجون لخيار طرد الأندلسيين خطر غزو مغربي وشيك لإسبانيا لاستعادة الأندلس, خصوصا بعد استقرار الأوضاع به بعد سنوات من الحروب الأهلية. فبعد وفاة السلطان أحمد المنصور رحمه الله سنة 1603م, تقاتل أبناؤه الثلاثة على خلافته, فأدخلوا المغرب في محن لا توصف من الحروب الأهلية و التجزئة, انتهت بسيطرة المولى زيدان على الأمور و فرار شقيقه المأمون إلى إسبانيا مستنجدا بملكها ضد أخيه. "فأرسل مورسكيو بلنسية رسلهم إلى زيدان يخبرونه بعلاقات المأمون بفيليبي الثالث, و يطلبون منه تحرير الأندلس, و يحاولون إقناعه بسهولة ذلك, و يؤكدون استعدادهم لتقديم 60 ألف مقاتل متى أبحر جنوده في أحد الثغور الإسبانية. لكن السلطان زيدان لم يهتم بهذا العرض, و لم يحرك ساكنا. و لمّا علمت الدولة الإسبانية بالخبر ازدادت حقدا على مسلمي الأندلس عامة و مسلمي مملكة بلنسية خاصة". (6)
و قد اتخذت السلطات الإسبانية هذا التهديد على محمل الجد, حيث يقول الباحث الإسباني الشهير خوليو كارو باروخا:"يمكن أن نعتبر هزيمة سلطان فاس مولاي الشيخ على يد ملك مراكش مولاي زيدان في ربيع عام 1609م قد أثرت في قرار الطرد الذي صدر بعد ذلك" (7)
* التآمر مع فرنسا
كانت الجارة الشمالية لإسبانيا, فرنسا, ذات أغلبية بروتستانتية (الهوكونو) و كانت علاقتهما متوثرة للغاية. و رغم تحول هنري دي بورون إلى المذهب الكاثوليكي عندما أصبح ملكا على فرنسا تحت اسم هنري الرابع, فقد بقي على عدائه لإسبانيا, و تابع علاقته بالأندلسيين, و أصبحت الدولة الإسبانية تنظر إلى علاقة هنري الرابع بالأندلسيين بتخوف أكبر. سنة 1602م, تمّ وضع مخطط بين الأندلسيين و الفرنسيين لغزو إسبانيا, لكن وفاة الملكة إيسابيلا, ملكة انجلترا التي حاولت فرنسا الحصول على مساعدتها للغزو, أفشل المخطط, ذلك أن خلف إيسابيلا جاكوب الأول وقّع معاهدة صداقة مع إسبانيا, و قدّم للملك فليب الثالث جميع الوثائق الخاصة بعلاقته مع المسلمين البلنسيين, كعلامة على حسن نيته, فقبضت السلطات الإسبانية على أكثر زعماء الأندلسيين الذين شاركوا في هذا المخطط, و عذبتهم حتى اعترفوا ثم أعدمتهم. (8)
¥