الأعمال الإرهابية التي عانى منها الأندلسيونأثناء الطرد دفعت بعضهمللاشتراك في مقاومة يائسة و مؤكد فشلها. و قد حدثت هذه الحركة في بعض القرى الجبلية داخل بلنسية, و قريبا من قشتالة:كوفرتيس, أجورا .... لقد صعدوا بنسائهم و أولادهم على مرتفع كورتيس, و المنطقة خالية من مصادر تكفي لتغذية ذلك العدد الكبير. و قدموا عليهم رئيسا من كاتودو يدعى طوريقي الذي قام بتعيين أحد الفقهاء نائبا عنه, فجمعوا بعض الأسلحة, و قاموا ببعض الأعمال الدفاعية, و عندما أعلن اقتراب القوات النصرانية لجأ إليهم عدة آلاف من الأشخاص. لكن سرعان ما أخمدت الثورة, فمات البعض بالطلقات النارية و السيوف, و الأغلبية ماتت من العطش و الجوع و الإرهاق. أما الزعيم طوريقي فقد رفض الاستسلام و بقي معه بضعة مئات من الرجال, لكن تمّ القبض عليه و إعدامه في بلنسية. (6)
نفس الأمر حدث في لامارينا بأليكانتي حيث توجد أغلبية أندلسية فرّت إلى أعالي الجبال فحاصرهم الجيش النصراني عدة أيام ثم هجموا عليهم, فحدثت وقائع تقشعر لها الأبدان, و لم يكن هناك توقف في العمليات. و هرب الذين بقوا على قيد الحياة, و سادهم الذعر من شدة العطش, و مات بعضهم لشربه ماءا كثيرا. و قد وصف كل من فوينسيكا و إيسكولانا تلك الأحداث وصفا يسبب القشعريرة. يقول إيسكولانا:"في مرتفعات بوب كان يوجد عدد كبير من القتلى, أما الآخرون فقد وصلوا إلى حالة كبيرة من التعاسة, و كان الآباء يتركون أولادهم لمن يعرفونهم من النصارى بسبب الجوع, بل وصل الأمر أنهم كانوا يبيعونهم للجنود الأجانب مقابل قطعة من الخبز أو حفنة من التين, كانوا يمشون في الطريق إلى الرحيل و قد سادهم الضعف, و قد أٌخذ منهم أبناءهم ونساؤهم؛ و حتى الثياب التي كانوا يحملونها نزعوها عنهم, لدرجة أن أحدهم يصل إلى السفينة نصف عار أو عار تماما.) (7)
يقول د. علي الكتاني رحمه الله, مجملا حال الأندلسيين أثناء الطرد:"لكن أملهم في الخروج بسلام لم يتحقق, إذ لم يرحمهم عدوهم, فصاحبت عمليات الطرد جرائم و فظائع لا تتصور. فقد أمرتهم السلطات بحمل ما استطاعوا من أمتعتهم, على ظهورهم. ثم عندما أخذوا يبيعون مواشيهم و دوابهم و منتوجاتهم الزراعية, من حبوب و زيوت و غير ذلك, للنصارى بأبخس الأثمان, منعوا و أعطي ذلك للنبلاء النصارى. ثم تكونت في الطرقات عصابات من النصارى, تسطوا عليهم و نجردهم مما يحملون من حلي و مال و يقتلون منهم من شاؤوا, و شارك في النهب و السبي و القتل أفراد من الجيش الذين يحرسونهم. ثم قررت الدولة أن يكون ترحيلهم على حساب بحيث يدفع غنيهم عن فقيرهم. و أغرق أصحاب السفن النصارى كثيرا من المورسكيين الذين نقلوهم, لسلب أموالهم, بينما كان في مأمن أكبر من نقلتهم سفن الحكومة."
"و قد وصف قوافل المرحلين المورسكيين شاعر إسباني معاصر بأبيات مؤثرة:
فرقة من المسلمين والمسلماتتمشي وهي تسمع من الجميع الشتائمهم يحملون الثروة والأموالوهن يحملن زينتهن والملابسوالعجائز بأحزان وبكاءالتوى وجههن وشكلهنمحملات بجواهر مزيفةوأواني الطبخ ومقلات وقرب وقنادلوعجوز يحمل طفلا بيدهوالآخر على صدر أمه الحنونو ثالث شاب قوي كالطريانيلا يتأخر عن حمل أبيه"
أما الثروة و الأموال التي ذكرها الشاعر, فهي من باب التهكم إذ لم تترك الدولة منها للمورسكيين شيئا." (8)
و وصف أزنار كاردونا جو البؤس و الآلام التي مرّ بها المطرودونقائلا:" كانت جماعتهم تمر في فوضى كاملة, يختلط فيها الراجلون مع الفرسان, يتجاذبون و هم يتقطعون بالآلام و ينفجرون بالدموع, يرتفع منهم ضجيج كبير و صراخ محملون بأطفالهم و نسائهم و مرضاهم و عجزتهم, يغطيهم العرق و الغبار, بعضهم يركب فوق العربات يزاحم أمتعته, الثمينة و التي لا قيمة لها ... و آخرون يمشون على الأقدام, منكسري الجناح, لباسهم رديء ... و كلهم ينظرون إلى النصارى الذين يتفرجون عليهم, ويقولون لهم:"ليحرسكم الله أيها السادة, استودعناكم الله" ... و تمشي النساء بين الرجال, منهن فتيات مثقلات بألبسة ... تغطي الآلام قلوبهن ... و أخريات تمشين على الأقدام, تظهر علامات التعب و الألم و الضياع على وجوههن. يتألم الجميع آلاما شديدة, و تتقطعهم مرارة عظيمة, و كثير منهم يتساقط على جانب الطريق ميتا من الحزن, بينما يضطر الباقون إلى دفع ثمن الماء و
¥