"أُبي بن خلف" و"عقبة بن أبي معيط"
ـ[محمد مسعد ياقوت]ــــــــ[04 - 05 - 09, 01:09 ص]ـ
صداقة إلى النار
محمد مسعد ياقوت
موقع رسالة الإسلام ( http://www.islammessage.com/articles.aspx?cid=1&acid=15&aid=8539)
كان "أُبي بن خلف" و"عقبة بن أبي معيط"، صديقين متصافيين، وكانا من ألد أعداء النبي – صلى الله عليه وسلم – وكانا أكثر الناس إيذاءً لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وفي يوم، أراد عقبة بن أبي معيط أن يجلس إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين الصحابة، ليسمع منه وينظر، فقد كان مجلس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مجلس أدب وأخلاق، وعزب حديث، وجمال بيان، وعبر وعبرات ..
ولا يزال عقبة يجلس في مجالس النفحات النبوية، حتى أوشك على الدخول في الإسلام، وظن الناس أن بشاشة الإيمان في طريقها إلى قلب "عقبة"؛ فتكسب الدعوة قائدًا من قادات مكة.
وترامت الأخبار إلى مسامع صديق العُمر" أُبي "، فأتى " عقبة " فقال له في حسم وحزم:
"ألم يبلغني أنك جالست محمدًا وسمعتَ منه؟! وجهي من وجهك حرام أن أكلمك (واستغلظ من اليمين) إن أنت جلستَ إليه أو سمعتَ منه، أو لم تأته فتتفل في وجهه" [ابن هشام 1/ 361] ..
فغرق " عقبة " لحظات سريعة في صراع نفسي، بين طريق محمد – صلى الله عليه وسلم – وطريق أُبي بن خلف ..
وكان لزامًا عليه الاختيار، إما الإسلام ويخسر الصديق، وإما الصديق ويخسر الإسلام، ولكن شيطان عقبة قد أرداه خسيرًا خسيئًا، فذهب إلى حضرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بوجه حديد وبقلب عتيد، وخُلق عنود، ونفس خائبة مهزومة أمام سلطان الصداقة النكدة، فبزق عدو الله في أكرم وجه سجد لله، وأطهر وجه طلعت عليه الشمس في تاريخها قاطبة، وزاد الفاجر في جرمه، فسب رسول الله سبًا شنيعًا، في مجلس الطهر والإيمان بين ظهراني المؤمنين المستضعفين ..
وأمعن الرعديدُ في بغيه، ليسمعَ السامع، ولشهد الغائب، ولتتحدث مكة عن تلك التَفلة التي طاب بها قلب "أبي بن خلف" – عليه وعلى صديقه لعائن الله, بئس الصديق وبئس صداقة الأشقياء - ..
الرد القرآني
ولما جُرحت مشاعر النبي الكريم؛ إثر هذا الموقف المحُرج جدًا، والإهانة الوقحة، من رجل يعده بعض الناس من جلساء محمد، أراد الله – جل في علاه – أن يطيب بوجدان الرسول المكسورِ، وأن يمسح على جراحات نفسه بيد حانية، مع كلمات مواسية، فيجلو القلب المكلوم، فتزول آثار الألفاظ النابية والأفعال الجارحة:
قال الله تعالى:
"وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً {27} يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً {28} لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً {29} " [الفرقان]. [انظر تفاصيل القصة في السيرة الحلبية 2/ 374] ..
وجاء في بعض التفاسير"مشهد الظالم يعض على يديه من الندم والأسف والأسى ... ويصمت كل شيء من حوله؛ ويروح يمد في صوته المتحسر, ونبراته الأسيفة؛ والإيقاع الممدود يزيد الموقف طولاً ويزيد أثره عمقاً. حتى ليكاد القارىء للآيات والسامع يشاركان في الندم والأسف والأسى. .. ولا تكفيه يد واحدة يعض عليها، إنما هو يداول بين هذه وتلك, أو يجمع بينهما لشدة ما يعانيه من الندم اللاذع المتمثل في عضه على اليدين. وهي حركة معهودة يرمز بها إلى حالة نفسية فيجسمها تجسيماً".
إذ يوم القيامة يكون الندم المرير على صحبة صالحة تركها المرء إلى صحبة طالحة، وماذا تراه يقول عن صحبة الصلاح والخير التي كانت فيها النجاة، لقد قال ما قصه الله:
"يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً " [الفرقان: 27]
"وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار فَقَالُواْ يا ليتنا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين" [الأنعام: 27]، في صحبة المؤمنين، وخلة الصالحين، ولكن هيهات هيهات!
عقاب الدنيا وعقاب الآخرة
كان عقاب الآخرة لأصحاب السوء كما رأيت في آيات الله التي نزلت، تصف حالهم يوم القيامة، ذلك اليوم الرعيب الذي يتحول فيه البشر إلى خصوم وأعداء بعضهم لبعض؛ إلا أصدقاء الخير، وجماعة البر: "الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ " [الزخرف67].
¥