تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما عقاب الدنيا، فلا يخفى على عاقل بصير .. فأنت ترى من حال أصدقاء السوء أعاجيب القصص وأغاريب الحكي في مواقف النذالة، والخسة، والجبن، والخيانة، والغيبة، والنميمة، والسرقة، وفساد المال والصحة، والبغي، والعدوان، والبغض، والتحاقد، والتخاذل .. وحسبك من هذه الدواهي عقاب!

كم سمعنا عن صحبة فاسدة تمخض عنها خيانة الصديق لصديقه في أهل بيته من زنى وهتك عرض!

وكم سمعنا عن صحبة طالحة نجم عنها سرقة الصاحب لصاحبه!

وكما سمعنا عن صحبة نكدة ترتب عليه خزلان الخليل لخليله وقت الشدة!

وصدق الشاعر:

جزى الله الشدائد كل خير ... عرفت بها عدوي من صديقي

وصدق آخر:

إن الصديق الحق من يقف معك ... ويضر نفسه لينفعك!

وإذا ريب الزمان صدعك ... فرق فيك شمله ليجمعك!

وقال أبو العتاهية:

وحدةُ الإنسان خير ... من جليس السوء عندَه

وجليس الخير خير ... من جلوس المرء وحده

واعلم أخي، أن صداقة السوء، نهايتها سوء، وخير ما نمثل به نهاية عقبة بن أبي معيط يوم بدر، حيث أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقتله من دون الأسرى مع النضر بن الحارث، وذلك لشدة عداوتهما للإسلام، وما فعلاه بالمسلمين والمسلمات أيام الاستضعاف في مكة .. فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن عقبة لما قُدم للقتل نادى: يا معشر قريش مالي أُقتل من بينكم صبرًا فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: بكفرك وافترائك على رسول الله" .. وفي لفظ «ببزاقك في وجهي» [الحلبية 2/ 374] ..

آلآن وقد عرفتَ يا عقبة - يا صاحب الجليس السوء - أن البزقة التي بزقتها في وجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كانت عليك لعنة .. دارت لعنة تلك التفلة مع دوران الزمان وفق نواميسه التي لا تنخرق، حتى قابلتك في كبدك يوم بدر طعنًا، فقتلتك صبرًا بين يدي رسول الله، فأنت الأذل وهو الأعز!

إنها نهاية صحبة السوء وجلسات السوء .. هكذا كان كيرها الخبيث وحرها الشديد، وترتها النحس، هكذا كانت تلاحق أصحابها حتى أردتهم في سوء الخاتمة خائبين نادمين. "إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً, وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً " [مسلم: 4762، عن أبي موسى].

أقبلْ إلى جماعة الخير!

وكأن النجاة من عذاب الآخرة، في جماعة من الأخيار نلحق بهم!

هكذا كان يُعَبر مشهد النادم العاضد على يديه ندمًا! فكان ألمه وبكاؤه لعلة واحدة هي ترك صحبة الصلاح إلى صحبة الفساد.

وإذا كان الأمر كذلك فأقبلْ – حبيبي وأخي - إلى جماعة الخير – ولا يقيدك الشيطان بقيد التسويف.

أقبل! فصلاح الصحبة من صلاح الدين، وقد قال رسول الله – صلى عليه وسلم – "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ" [أبو داود: 4833، عن أبي هريرة، وحسنه الألباني].

واعلم أن نفسك إذا أقبلت على الصالحين منشرحة، فنفسك خيِّرة، طيبة، وإذا كانت غير ذلك .. فشفاك الله وعافاك، وأعيذك بالواحد من شر صديق فاسد، فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ" [مسلم:4773، عن أبي هريرة]. أو كما قال سفيان بن عيينة: " لكل امرئ شَكْلٌ يَقَرُّ بِعَيْنِهِ وَقُرَّةُ عين الْفَسْلِ أَنْ يَصْحَبَ الفسلا ", أي الرُّذَّلُ من الناس.

أقبل! واصبر نفسك مع جماعة الخير، فقد أمرنا الله بذلك، وقد نهانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن مصاحبة غيرهم فقال:

"لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ " [أبو داود: 4192،وحسنه الألباني].

ومصاحبة جماعة الخير، مجلبة لمحبة الخالق سبحانه وتعالى, فعن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: " يَأْثُرُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَحَابُّونَ فِيَّ وَيَتَجَالَسُونَ فِيَّ وَيَتَبَاذَلُونَ فِيَّ " [أحمد: 21114، وصححه الألباني، حديث رقم: 4331 في صحيح الجامع].

ومجالسهم مجالس تشهدها الملائكة، وتغشاها الرحمة، وتنزل عليها السكينة، وفوق ذلك يذكر الله أصحاب مجالس الخير فيمن عنده، ومَن ذكره الله لا يعذبه أبدًا, وهذه بشارة رسول الله لأهل مجالس الذكر إلى يوم القيامة:

"مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ؛ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَتَغَشَّتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ" [ابن ماجة: 3781, عن أبي هريرة، وهو في السلسلة الصحيحة: 75].

وهم في ظل الله يوم القيامة، يوم الحر الشديد، واللهب اللهيب، يوم لا ظل إلا ظل الرحمن، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن نبي الله قال: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ... " وكان الصنف الرابع منهم: " وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ " .. وهم أكثر الأصناف إن شاء الله، في ظل الله، وذلك لأن الإخوة في الله والحب في الله والصداقة الصالحة، هي أيسر الخصال السبع التي وردت في الحديث.

توصيات عملية:

1 - خذ قرارك الآن .. " لن أصاحب إلا مؤمنًا " .. وعض على نفسك في الدنيا بترك خلة السوء، قبل أن تعض على يديك يوم لا ينفع الندم ..

2 - عليك بصحبة جماعة المسجد وتعرف على رواده فهم خير صاحب في هذه الأيام.

3 - كن خير جليس لجليسك، وخير صديق لصديقك، فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:

"خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ" [الترمذي: 1867، عن عبد الله بن عمر، وهو في السلسلة الصحيحة: 103].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير