من ناحية أخرى ليس من الممكن مقارنة المصادر الرسمية بمصادر أخرى، فالمصادر الأخرى هى المخطوطات العربية و الأعجمية، وكانت هناك حرب ضروس ضد تلك المخطوطات تمارسها السلطات الرسمية. من ناحية أخرى كان المؤرخون الإسبان يعتبرون كل ما هو عربى همجيا، وكان ذلك خطأ مخجلا.
ينتقل بيانويبا بعد ذلك إلى عرض"ثوابت" الرؤية التأريخية للقضية الموريسكية ولا يتردد فى وصفها بالأساطير. انه يعرضها واحدة تلو الأخرى ويناقشها ويفند الأسس التى بنيت عليها.
الأسطورة الأولى: الإجماع
يتحدث التأريخ الموريسكى عن "إجماع " الشعب الإسبانى فى كراهيته للموريسكيين، ويذكر بيانويبا ان الحديث عن الإجماع ما هو إلا أكذوبة لأن الكتابات الكثيرة المؤيدة للطرد لم تكن سوى جدل معارض لرأى مخالف واسع الانتشار.
ذكر أثنار كاردونا أنه وضع كتابه للرد على شكوك "بعض الناس البسطاء" حول عدالة قضية الطرد وإلحاق تهمة الكفر بالموريسكيين، ويقول بيانويبا إن المتشككين لم يكونوا من عوام الناس، بل كانوا "رجال دين مهمين".
إن بليدا نفسه –كما يقول بيانويبا- يتحدث عن سنوات عديدة قضاها فى صراع ضد من عارضوا عملية الطرد، كما أن غوادالاخارايؤكد أنه لم يحدث أن نصح أى مجلس من المجالس المنعقدة بطرد الموريسكيين.
من ناحية أخرى كان النبلاء يحاولون بأى ثمن أن يبقى الموريسكيون فى إسبانيا، ويقول بليدا نفسه إن السادة "كانوا يحبون الموريسكيين كحبهم لأنفسهم"
ثم إن الكنيسة رفضت إصدار بيان رسمى تؤيد فيه طرد الموريسكيين, لأن إصدارها بيان هكذا يعنى ببساطة أنها فشلت فى جهودها من اجل تنصير المسلمين, ولم يؤيد بابا روما طرد المسلمين. إزاء كل ذلك صدر قرار الطرد كإجراء حكومى.
إذن فقد كذب المؤيدون للطرد, فلم تكن الكنيسة الرسمية ولا النبلاء ولا عامة الشعب يؤيدون طرد الموريسكيين. لم يكن هناك "إجماع:" بل سيطرة إعلامية لرأى بعض رجال الدين المشتغلين بالسياسة وإسكات الأصوات المعارضة.
الأسطورة الثانية: الموريسكى غير القابل للاندماج
"الأسطورة" الثانية التى يتحدث عنها بيانويبا خاصة بتخلى الموريسكيين عن إسلامهم وتحولهم إلى المسيحية ويقول: " الحق أن كل موريسكى كان يحمل داخله رغبة فى الاندماج " وهذه الجملة فى حاجة إلى توضيح، فلو كان يقصد أن الموريسكيين كانوا على استعداد للتخلى عن الإسلام فليس لدينا شك فى أنه قد جانبه الصواب، ونرى أن هناك فرقا بين التخلى عن بعض عادات الثقافة الإسلامية وتبنى عادات المجتمع ذى الأغلبية المسيحية, وبين الكفر بالعقيدة الإسلامية والدخول فى المسيحية. نعلم أن المسلمين الإسبان قد تخلوا عن زيهم التقليدى وعن الحمامات وعن العمل يوم الأحد، لكن هذا كله لا يعنى أنهم تخلوا عن العقيدة الإسلامية. لا شك فى أن انعزال مسلمى إسبانيا عن إخوانهم وعن الفقهاء فى العالم الاسلامى قد أدى إلى إضعاف معلوماتهم, لكنه لم يؤد إلى تخليهم عن الإسلام ولا إلى اعتناقهم المسيحية. إذا كان بيانويبا يطلق مصطلح "اندماج" على تبنى عادات مجتمع الأغلبية المسيحية فنحن نتفق معه تماما إذ نرى أن المسلم الأندلسى كان يرتدى الزى الغالب فى إسبانيا، و كان يعمل يوم الجمعة ويتوقف عن العمل يوم الأحد .... الخ. أما إذا كان المقصود من الاندماج هو الدخول فى المسيحية فلا نرى ان ذلك قد حدث إلا على مستوى فردى لا يذكر. إن أسطورة الموريسكى غير المندمج تدحضها أخبار عن موريسكيين أحبو وطنهم وهويتهم الإسبانية حتى بعد أن أجبروا على الهجرة.
الأسطورة الثالثة: الموريسكى المتآمر مع الأتراك ضد وطنه
يتعرض بيانويبا لأسطورة أخرى هى أسطورة تآمر الموريسكيين مع الأتراك ضد إسبانيا فيؤكد أن المساعدة التركية للموريسكيين كانت مستحيلة من الناحية العملية وأن السلطات الإسبانية كانت تعلم بتلك الاستحالة لكنها استغلت الموضوع لتخويف الناس من الموريسكيين (هل يعيد التاريخ نفسه حين يستخدم بعض الساسة الغربيين موضوع الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل لإسكات معارضيهم فى الداخل؟)
يبدى بيانويبا أسفه لأنأسطورة التآمر كانت من صنع ريبيرا المؤيد لطرد الموريسكيين ولأن المؤرخين اللاحقين قد صدقوا الدعاية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التحقق من صحتها.
¥