[نصرانيات متحجبات في إسبانيا و البيرو]
ـ[هشام زليم]ــــــــ[10 - 05 - 09, 01:09 ص]ـ
بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.
في خضم الهجمات المسعورة التي يشنها أعداء الإسلام على الحجاب, و دعواتهم إلى تحرير المرأة المسلمة من قيوده –زعموا- مطالبين بأن تكشف المنقّبة عن وجهها كخطوة أولى, و أن تكشف الغير منقبة عن شعرها, و التي استسلمت للتبرج عن باقي جسدها, في خطة ممنهجة تبغي القضاء على حياء و حشمة المرأة المسلمة, ففي خضم هذه الحرب المعلنة على الفضيلة تتسلح المرأة المسلمة بأسلحة الإصلاح الشامل –على غرار أسلحتهم للدمار الشامل دمّرهم الله- أوّلها طاعة الله عز وجل و امتثال أوامره الواردة في سورة النور و في سلسلة من الأحاديث النبوية المرغّبة في الستر و الحجاب و المرهبة من التهاون فيهما.
و من بين أسلحة المرأة المسلمة فطرتها و ميلها إلى الحشمة و الحياء و إخفاء مفاتنها عن أعين الأجانب الذين قد يتحولون إلى ذئاب بشرية تأكل بعينيها ثم بأيديها إن استطاعت إلى ذلك سبيلا, خاصة في مجتمع غزته الصور و الأفلام الإباحية و لم يعد يعطى فيه لغض البصر حقه.
فقبل بزوغ فجر الإسلام, كانت كل المجتمعات تعامل المرأة معاملة دونية, أخس من معاملة السيد لعبده, فهذا مجتمع يعتبرها مجرد متاع يورث, و مجتمع آخر يحرقها مع زوجها إن توفي هذا الأخير قبلها, و آخر يدفنها حية خشية العار, و مجتمع آخر يتدارس أساقفته في الكنيسة هل للمرأة روح أم لا!!! فكان للرجل سلطة مطلقة على المرأة إن شاء سترت نفسها, و إن شاء أخرجها عارية, و هي ليس لها من الأمر شيء. لقد كانت أسيرة شهوة الرجل و نزواته, فجاء الإسلام و حرّرها من هذه الأهواء و النزوات الجاهلية, و كرّمها تكريما عظيما آمرا إياها بستر نفسها و مشددا على الآخرين باحترامها, قاطعا بذلك الطريق على المنتهكين لحرمتها, المتلاعبين بفضيلتها و المتاجرين بمفاتنها.
هذا التكريم الإسلامي للمرأة تقبلته النساء الغير مسلمات على مرور الأزمان بقبول حسن و تهافتن على ارتداء الحجاب و ستر أنفسهن خارج منازلهن رغم أنف السلطات الكافرة التي تحكمهن و التي ناصبت العداء للإسلام و رفضت كل مبادئه استكبارا و علوا. لقد أيقنت تلك النساء أن الحجاب هو السبيل للنجاة وسط مجتمع فاجر يرى فيهن وسيلة للتسلية و الربح التجاري. و لنأخذ على ذلك مثلين من الأندلس المحتلة (أسبانيا و البرتغال حاليا) و البيرو.
ففي بعض المناطق بالأندلس احتفظت النساء النصرانيات بالحجاب الإسلامي حتى وقت قريب, و هذا ما أكّده العلامة البرازيلي أمريكو كاسترو قائلا:"و قد ظلت عادة تغطية النساء وجوههن (الخمار) قائمة حتى وقت قريب في طريف (قادش) , و في بعض المدن في البيرو, كما أن كلمة Tapada تطلق في الأرجنتين على معاطف النساء قبل ذلك, و هي كلمة مرجعها إلى عبارة manto tapado و هو العباءة التي ذكرها Tirso de molina في مسرحية "ظئر أشبيلية" (أو دون خوان) ... و كانت تستخدمها النساء في تغطية الرأس و الوجه و هناك العديد من مسرحيات القرن السابع عشر التي تتضمن مواقف تعتمد على قيام النساء بالسير في الطريق و هن يضعن الخمار (تيرسو في: الغيورة من نفسها, و كالديرون في المختبئ, و مرتدية الخمار .... إلخ) , و بذلك نرى أنه قد سٌمح للمسيحيات القيام بما مٌنعت منه المسلمات خلال القرن السادس عشر:"الرغبة في أن تسير النساء في الشوارع و هن سافرات الوجه, أليس معنى هذا إعطاء الفرصة للرجال لاقتراف المعاصي برؤية هذا الجمال (1) ". (2)
و قد ذكر أحد الأسبان أنه في ثلاثينات القرن العشرين, كانت هناك قرية ترتدي أغلب نسائها الحجاب على الطريقة الإسلامية, فقام الأسقف و معاونوه بزيارة لهذه القرية و أجبروا تلك المسكينات على خلعه.
أمّا بالبيرو, فقد ذكر الباحث البيروفي خايمي كاثيريث إنريكز في معرض حديثه عن التأثير الإسلامي الأندلسي بالبيرو, أن العديد من النساء الأندلسيات المنصّرات قسرا فررن في القرن السادس عشر من جحيم محاكم التفتيش الإسبانية إلى القارة الأمريكية التي احتلها الإسبان بعد ادعائهم اكتشافها, ثم ذكر إسهاماتها –أي المرأة الأندلسية -في المجالات الثقافية لذلك البلد, و اعتبر أن أبرز إسهام يتمثل في طريقة اللباس, حيث عاشت في ليما (عاصمة البيرو) نساء متحجبات ( cubiertas) على طريقة المرأة المسلمة, بحيث لا يكشفن إلا عن عين واحدة, و قد سمي هذا الزي ب تابادا Tapada . و قد حاربت سلطات الاحتلال الإسباني بالبيرو هذا الزي. و ذكر الباحث خايمي أن أحد الحكام العسكريين الإسبان حاول القضاء على هذا الزي لكنه فشل و انتكس لمّا تمّ إخباره أن زوجته النصرانية تحب ارتداءه. و استمرّ هذا الحجاب إلى منتصف القرن 19 حتى عٌرفت به مدينة ليما. (3)
الهوامش:
(1) أمريكو كاسترو اقتبس هذه الجملة من رسالة الأندلسي فرانثيثكو نونيث مولاي إلى الملك الإسباني فليب الثاني الذي أصدر أمرا بأن تكشف النساء الأندلسيات عن وجههن.
(2) "إسبانيا في تاريخها: المسيحيون و المسلمون و اليهود" تأليف أميركو كاسترو. تعريب علي إبراهيم منوفي. ص 104.
(3) من بحث بعنوان"المرأة الموريسكية أو الأًمة البيضاء بالبيرو خلال القرن 16" للباحث البيروفي خايمي كاثيريث إنريكز.
" La mujer morisca o Esclava Blanca en el Peru del Siglo 16" Jaime Caceres Enriquez
كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد المغربي.
¥