وكل دولة حاطت الإسلام من جميع جوانبه، في العقيدة والعبادة، في الأخلاق والمعاملات، في السياسة والسلطة، في الرحمة والعدل، في العلم والقضاء، في التجارة والاقتصاد، في الجهاد والجيش .. ولم تفصل بين الإسلام والسياسة - فالسياسة جزء من الإسلام -، ولم تفصل بين الإسلام والاقتصاد- فالاقتصاد جزء من الإسلام كذلك-، ولم تفصل بين الإسلام والتربية - فالتربية جزء من الإسلام أيضًا - .... ولم تفصل الإسلام عن الحياة، أو الحياة عن الإسلام، فالإسلام منهج الحياة، والحياة لا تصلح دون الإسلام.
" وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً {125} قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى {126} " [طه].
"إن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه"
فلا فائدة من تلك الدعوات الجزئية، والحركات المختلة، التي اجتزئت الإسلام، فتشبثت بجزء من الإسلام ونامت عن جزء، أو أحيت جزءًا وأماتت جزءًا آخر، فهذه الدعوات أفادت وأضرت، وأصابت وأخطأت، وقدمت وأخرت، وذلك لأنها لم تحط بالإسلام من جميع جوانبه.
فمن هذه الدعوات من جعلت من الإسلام مجرد تعاويذ وتصوف.
ومن هذه الدعوات من جعلت من الإسلام هجرة وانقلابًا، وتكفيرًا وتفسيقًا.
ومن هذه الدعوات من جعلت الإسلام فِرَقًا ومذاهب، وفتنًا وملاحم، وليس لنا من الأمر شيء سوى انتظار المهدي المنتظر، والمجدد المعتبر، وما علينا من واجب سوى أن نعض بجزع شجرة، ونعتزل الناس والفجرة، فالعالم يموج بفتن عمياء، وحرب صماء، وقصور مشيدة وآبار معطلة، ونساء عاريات، وليال ماجنات ..
وبين هذه الدعوات، غثها وثمينها، طيبها وخبيثها، صوابها وخطئها، نرى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يرسم بيده الكريمة خطوطًا يمنة ويسرة، ثم يضع يده الطاهرة على الخط الأوسط مناديًا:
"هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ!! "
ثم تلا هذه الأية الكريمة:
" وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ " [ابن ماجه (11)، من حديث جابر، وصححه الألباني].
أدلة الشمولية:
"إن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه"
إلا من طبق تعاليمه الشاملة .. في جيع مناحي الحياة الحاضرة والمستقبلة. .
وإن قال قائل: ما الدليل من القرآن على شمولية الإسلام وإلزامية تعالميه في كل المجالات خاصة في مجال الحُكم والدستور؟
قلت: أقول ما قال القرآن، فهو خير مقال!
الدليل الأول
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ " [البقرة: 208]
قال ابن كثير – رحمه الله – أي: "أنْ يأخذوا بجميع عُرَى الإسلام وشرائعه" [تفسير ابن كثير (ج 1 / ص 565)]
الدليل الثاني:
قال الله تعالى: " وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ " [النحل89] ..
قال الطبري:
"نزل عليك يا محمد هذا القرآن بيانا لكلّ ما بالناس إليه الحاجة من معرفة الحلال والحرام والثواب والعقاب (وَهُدًى) من الضلال (وَرَحْمَةً) لمن صدّق به، وعمل بما فيه من حدود الله، وأمره ونهيه، فأحل حلاله، وحرّم حرامه (وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ). ." [تفسير الطبري (ج 17 / ص 278)].
الدليل الثالث:
"فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر" [النساء:59]
الدليل الرابع:
" وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ " [الشورى: 10]
قال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ:
ولم يقل إلى قياساتكم وآرائكم. ولم يجعل الله آراء الرجال وأقيستها حاكمة بين الأمة أبداً " [أضواء البيان (ج 4 / ص 273)].
الدليل الخامس:
" وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا " [الإسراء: 12]
قال الطبري:
" يقول: وكلّ شيء بيناه بيانًا شافيًا لكم أيها الناس لتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من نعمه، وتخلصوا له العبادة، دون الآلهة والأوثان " [تفسير الطبري (ج 17 / ص 395)]
الدليل السادس:
¥