تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد اشتملت السيرة على العديد من التجارب الحربية، والمفارقات العسكرية، والمشاهد القتالية، وأبانت لنا كيف انتصر المسلمون في بدر، وكيف انهزموا في أُحد، وكيف انكشف الحصار في الخندق، وأبانت جُبن اليهود، وخيانة اليهود، وعداوة اليهود، وأظهرت عناد الوثنيين، وتكبر الفرس، وإسراف الروم، وحمق كسرى، ودهاء هرقل، وعدل النجاشي، وكذب مسيلمة، وهكذا، يتثقف المسلم في المجال الحربي، متعلمًا من هذه المشاهد أسباب الهزيمة، وعوامل النصر، ووسائل التحفيز، وطرق الردع، وخطط الحرب، وآلات الضرب، ومشاهد السرية والكتمان، ودراسة مشاهد الحصار، والحرب الاستباقية، والحرب الدفاعية، والحرب المعنوية، والسَرايا الاستخبراتية، وغيرها من الدروب الحربية.

أساا

عاشرًا: مدخل للعلوم الشرعية

ومن فوائدها، أنها تهيء طلاب العلم، وتجعل لهم سُلامًا للعلوم الشرعية الأخرى، بل أقول: إن السيرة هي أم العلوم الشرعية؛ ففيها الشرح التطبيقي للعقيدة الإسلامية، وفيها مظان الأحكام الشرعية، وأصول الأخلاق النبوية، وهي صدر التاريخ الإسلامي، ومقدمة مهمة لدراسة علم الحديث، ودرسٌ أساسي لدراسة السياسية الشرعية وأصول الحُكم في الإسلام، ولا غنى لطلاب علوم الاقتصاد الإسلامي من دراسة السيرة لاسيما ما حدث من استقلال الدولة الإسلامية في المدينة عن الاقتصاد اليهودي.

حادي عشر: مطالعة الأدب الإسلامي

من فوائدها، أنها تحظيك نَهَلَهْ في الأدبين الجاهلي والإسلامي، فالعهد النبوي؛ عصرٌ ذهبيٌ في تاريخ الأدب، تنهل منه من الأدب الجاهلي الذي دار على ألسنة الصحابة وغيرهم، وتنهل منه من أشعار حسّان بن ثابت، وكَعب بن مالك، وعبدَ الله بن رواحة، ولبيد بن ربيعة، وغيرهم. وقد قال سعيد بن المُسيِّب: كان أبو بكر شاعراً، وعُمر شاعراً، وعليُّ أشعرَ الثلاثة. .

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في عمرة القضاء، عندما أنكر عمر بن الخطاب على عبد الله بن رواحة قول الشعر في الحرم: " «خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ فَلَهِىَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ» [الترمذي: 3084، عن أنس]. ".

وعن عائشة – رضي الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ». فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ «اهْجُهُمْ». فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ حَسَّانُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ، ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِى فَرْىَ الأَدِيمِ ... قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لِحَسَّانَ «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ». وَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى». [مسلم: 6550]

والقصائد التي نظمها حسان وغيرها من شعراء العهد النبوي، لن ترتشف من رحيقها إلا في أعجاز المواقف والمشاهد في سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم -، مثل تلك الأشعار التي قِيلت في يوم بدر، أو يوم أحد، أو التي قيلت في مناسبات اجتماعية أو مدح أو ذم.

ثاني عشر: وجبة ثقافية شهية:

فمن فوائدها، أنها تمنحك وجبة ثقافية دسمة؛ في عادات العرب الأُسرية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والعقدية والعسكرية والسياسية. ستعرف فيها كيف كان الزواج في الجاهلية وكيف كان في الإسلام، كيف كانت المرأة في الجاهلية وكيف كانت في الإسلام، وكذا الميراث والحج والقتال وغيرها من الموضوعات التي تَعَلّى من شأن الإسلام في نفسك.

كما أن هذه الوجبة هي مطيتك لفهم ثاقب لطبيعة المجتمع الإسلامي في المدينة بعد ذلك.

ثالث عشر: استلهام المستقبل:

فالسنن الربانية ثابتة لا تتغير، ولا تتبدل، ولا تتحول، ولا تحابي أحدًا. والسيرة ما هي إلا تأريخٌ لأعظم فترة مرت بها البشرية، فيها أعظم تجربة لبناء أمة هي خير أمة أخرجت للناس، فيه تجربةٌ لبناء دولة، هي أعظم دولة ظهرت على كوكب الأرض، فيها تجربةٌ لإنشاء حضارة؛ هي أعظم حضارة ظهرت على مر العصور. وهذه الحصيلة الضخمة من الخبرات والتجارب التي حوتها السيرة لا غنى لذي عقل عنها فضلاً عن الحكام والعلماء والفلاسفة والمصلحين، فالسيرة بمثابة الكشاف الذي تَفهم به الحاضر وتستلهم منه المستقبل.

...

انتهت المقالة، فماذا تنتظر؟

إلى السيرة، إلى السيرة!

ولا تُسوّف!

اقرأ الموقف، وتدبرْ دروسه، واعمل بتوصياته، واقصص على إخوانك ما قرأتَ؛ فذلك أدعى للاستفادة والرسوخ.

نقلاً عن موقع رسالة الإسلام (اضغط هنا ( http://www.islammessage.com/articles.aspx?cid=1&acid=15&aid=6421))


** عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمشرف العام على موقع نبي الرحمة، والفائز بجائزة أحمد بهاء الدين عن كتاب أزمة البحث العلمي.
[email protected]

طالع:
قاطع من أجل غزة ( http://www.nabialrahma.com/ar_details.aspx?Page_ID=2131)
رسالة إلى أبطال غزة ( http://www.nabialrahma.com/ar_details.aspx?Page_ID=2161)
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير