[الغزالي القديم والأوسط والجديد!]
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[20 - 05 - 09, 12:21 م]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
قال تاج الدين السُّبُكي (طبقات الشافعية الكبرى 4/ 87 - 90):
أحمد بن محمد الشيخ أبو حامد الغزالي القديم الكبير:
هذا الرجل قد وقع الخبط في أمره، وجهل أكثر الخلق حاله، وأول بحثي عن ترجمته لما كنت أقرأ طبقات الشيخ أبي إسحاق [الشيرازي] على شيخنا الذَّهَبي، مررت بقوله: "وبخراسان وفيما وراء النهر من أصحابنا خلق كثير: كالأُودَني، وأبي عبد الله الحَلِيمي، وأبي يعقوب الأَبِيوَرْدي، وأبي علي السِّنْجي، وأبي بكر الفارسي [البلخي]، وأبي بكر الطُّوسي، وأبي منصور البغدادي، وأبي عبد الرحمن السَّلْمي [النيلي]، وناصر المِرْوَزي، وأبي سليم الشّاشي، والغزالي، وأبي محمد الجُويني، وغيرهم ممن لم يحضرني تاريخ موتهم". هذا كلام الشيخ أبي إسحاق أخبرنا به أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه من أصل سماعه وهو أصل صحيح، قال أخبرنا عمر بن عبد المنعم بن القواس، أخبرنا زيد بن الحسن الكندي إجازة، أخبرنا ابن عبد السلام، أخبرنا الشيخ أبو إسحاق فذكره.
وقد سألت شيخنا الذهبي حالة القراءة عليه من هذا الغزالي؟ فقال: هذا زيادة من الناسخ فإنا لا نعرف غزاليا غير حجة الإسلام وأخيه، ويبعد كل البعد أن يكون ثَم آخر لأن هذه نسبة غريبة يقل الاشتراك فيها، قال ويبعد أن يريد حجة الإسلام إذ هو مثل تلامذته، وأيضا فإنه لم يذكر من أقرانه أحدا كإمام الحرمين، وابن الصبّاغ وغيرهما، فكيف يذكر من هو دونهم، وأيضا فإنه ذكره قبل الشيخ أبي محمد، والشيخ أبو محمد شيخ شيخِ الغزالي؛ فإنه شيخ ولده إمام الحرمين شيخ الغزالي، فكل هذا مما يمهد أنه لم يرد الغزالي، فقلت له إذ ذاك: وثَم دليل آخر قاطع على أنه لم يرد أبا حامد حجة الإسلام، فقال: ما هو؟ فقلت: قوله "لم يحضرني تاريخ موتهم" فإن هذا دليل منه على أنهم كانوا قد ماتوا، ولكن ما عرف تاريخ موتهم، وحجّة الإسلام كان موجودا بعد موت الشيخ. قال: صحيح. ثم ذكرت ذلك لوالدي الشيخ الإمام [تقي الدين السبكي] تغمده الله برحمته، فذكر نحوًا مما ذكره الذهبي.
وتمادى الأمر وأنا لا أقف على نسخة من الطبقات وأكشفَ عن هذه الكلمة إلا وأجدها، فأزداد تعجّبا وفكرة، ثم وقعت لي نسخة عليها خط الشيخ أبي إسحاق وقد كتب عليها بأنها قرئت عليه، فألفيت هذه اللفظة فيها، ثم وقفت في تعليقة الإمام محمد بن يحيى [النيسابوري] صاحب الغزالي في الزكاة في مسألة التلف بعد التمكن أنه ألزمَ شافعي، فقيل له: أليس لو تلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة فكذلك بعد التمكن، بخلاف ما لو أتلف فإنها لا تسقط، فقال: مسألة الإتلاف ممنوعة لا زكاة عليه ولا ضمان، وأسند هذا المنع إلى الغزالي القديم، والشيخ أبي علي تفريعا على أن الزكاة إنما تجب بالتمكن.
ثم وقفت في كتاب الأنساب لابن السمعاني في ترجمة الزاهد أبي علي الفارَمَذي على أن أبا علي المذكور تفقّه على أبي حامد الغزالي الكبير، فلما وقفتُ على هذين الأمرين سرّ قلبي وانشرح صدري، وأيقنت أن في أصحابنا غزاليا آخر؛ فطفقت أبحث عنه في التواريخ فلا أجده مذكورا، إلى أن وقفت على ما انتقاه ابن الصلاح من كتاب "المُذهب في ذكر شيوخ المَذهب" للمُطَّوِعي، فرأيته - أعني المطوعي - قد ذكر أبا طاهر الزِّيادي وعظّمه، ثم قال وتخرج بدرسه من لا يحصى كثرة كأبي يعقوب الأَبِيوَرْدي صاحب التصانيف السائرة والكتب الفائقة الساحرة وذكره، ثم قال: وكأبي حامد أحمد بن محمد الغزالي الذي أذعن له فقهاء الفريقين، وأقر بفضله فضلاء المشرقين والمغربين، إذا حاور العلماء كان المقدّم، وإن ناظر الخصوم كان الفحل المقرّم، وله في الخلافيات والجدل ورؤوس المسائل والمذهب تصانيف.
فازددت فرحا وسرورا وحمدت الله حمدا كثيرا، وقد وافق هذا الشيخُ حجّةَ الإسلام في النسبة الغريبة والكنية واسم الأب، ثم بلغني أنه عمّه، فقيل لي: أخو أبيه وقيل: عم أبيه أخو جده، ثم حكى لي سيدنا الشيخ الإمام العلامة ولي الله جمال الدين عمدة المحققين محمد بن محمد بن محمد الجَمَالي حياه الله وبيّاه وأمتع ببقياه: أن قبر هذا الغزالي القديم معروف مشهور بمقبرة طُوس، وأنهم يسمونه الغزالي الماضي، (وأنه جرّب من أمره أنه من كان به هم ودعا عند قبره استجيب له) ". اهـ
قلت: وقد يفرق بينهما بألقاب منها: القديم، الكبير، الماضي، العمّ ... وجعلوا للآخر لقب: حجة الإسلام؛ والغريب في الأمر كلّه أنه إذا أطلق "أبو حامد الغزالي" عند الشافعية انصرف إلى الغزالي القديم، توفي بطابَران سنة 435هـ.
وقد كنّا نفرق بين محمد الغزالي المعاصر، وأبي حامد الغزالي حجة الإسلام بأن نقول: الغزالي القديم، والغزالي الجديد؛ فصاروا ثلاثة: قديم وأوسط وجديد.
فلينتبه إخواننا الشافعية!
تنبيه:
تناقش المشاركون حول مصطلح القبورية
فنقلت مشاركاتهم إلى موضوع جديد بعنوان (مصطلح القبورية) على هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=174952
## المشرف ##
¥