تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[المنطلق الأساسي في التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر]

ـ[محمد الشافعي]ــــــــ[05 - 06 - 09, 03:20 م]ـ

المنطلق الأساسي في التاريخ الإسلامي

للأستاذ محمود شاكر

الخلفاء

إن الخلفية التي لدينا عن كثير من الخلفاء غير صحيحة، وهي مهزوزة جداً وذلك لأننا أخذناها مما درسنا من كتب ليست بذات ثقة، وكُتبت بأيدٍ مغرضة كانت معادية للمسلمين الذين تسلموا الخلافة سواء أكانوا راشدين أم أمويين أم عباسيين. وكثيراً ما وصلت إلينا حياة الخلفاء من جانب واحد وغالباً ما يتعارض مع المنصب الذي يتسلّمه. فالخليفة ليس رجل حكمٍ فقط يجلس في مركز الخلافة يُعطي الأوامر، ويجيب على الرسائل، يتلقّى التهاني، ويستمع إلى الشعراء يكيلون له الثناء، وهذا الجانب الذي دُوِّنَ لنا وشُوِّه أيضاً، وإنما كان الخليفة إمامَ المسلمين في الصلاة، وخطيبهم في الجمع والأعياد، وقائدهم في الجهاد، والمفتي للخاصة، والمسؤول من العامة، يستنبط من الأحكام، ويُناقش الفقهاء، ويتداول الرأي مع العلماء وهذا الجانب لم يرد إلينا من هلال ما كُتِب لنا، ونحن -مع الأسف- لم نفكّر فيه أبداً، واكتفينا بما قرأنا، وقرأنا ذلك مكرّراً في عدد من الكتب وعلى مستوياتٍ مختلفة حتى رسخت هذه الصورة في عقولنا، بل ونُقِشَتْ في أفكارنا وأصبح من الصعب التخلّص منها.

الدولة الأموية

لننظُرْ إلى الجانب الثاني جانب مقتضيات منصب الخلافة من الإمامة، والخطابة، والقيادة، ولْننظُرْ إلى أحد هؤلاء الخلفاء وليكُن يزيد بن معاوية الذي لا تزيد الخَلفية عنه أنه كان من عامة الناس غير مُبالٍ بشؤون الحكم، فلما آل إليه السلطان تسلّمه ولم يحسن التصرّفَ به، فوقعت أحداث أساءت إليه، وإلى أسرته، وكانت سبباً في شنّ الهجوم عليه وعلى آله حتّى مات غير مَأسوف عليه. هذه النظرة العامة إليه دون الحديث عما بالغ في ذلك مبغضوه. ولكن لننظر إلى مركزه الذي تسلّمه في ذلك العصر الذي يضمّ كثيراً من الصحابة، ومعظمه من التابعين، ولنأخذ المرحلة التي سبقت خلافته. لقد أرسله أبوه سنة خمسين للهجرة على رأس حملة كبيرة لدعم المجاهدين الذين يحاصرون القسطنطينية، لقد سار على رأس الحملة وفيها عدد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمثال أبي أيوب الأنصاري، وعبادة بن الصامت، وأوس بن شدّاد، وعبد الله بن عمر ابن الخطاب، وعبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، رضي الله عنهم جميعاً. فكان يزيد قائدهم، وخطيبهم، وإمامهم فما طعن أحد منهم في قيادته، ولا تكلّم أحد عن إمامته، ولا انتقده أحدهم في خطبته، واستمرت الحملة على ما يزيد على ثمانية شهور، ولو طعن أحد في ناحية من نواحي حياة يزيد أو إمامته أو قيادته أو خطبه لعجّت الكتب بذلك، ولضجّ الرافضةُ في هذا الموضوع، ولكن لم يحدث شيء.

وجاء عهده بالخلافة واستمرّ ما يزيد على أربع سنوات، وكان يمارس خلالها كل ما يمارسه الخليفة ولم يحدث أي طعن فيه أو انتقاد له، ومع هذا فلا نقول: إنّه كان الخليفة المثالي، لا، وإنما كان أحد ملوك المسلمين، فلا يُحَبّ ولا يُسَبّ -كما قال عنه ابن تيمية رحمه الله- فلم تكن أيامه فجوراً فيُسَبّ، ولا أيام عدل ورخاء فيُحبّ، ولم تنطلق في عهده الفتوحات فيُثْنى عليه. وإنما كان ملكاً عادياً. وقد وقعت في عهده حادثتان كان لهما أكبر الأثر في توجبه اللوم عليه وانتقاده وهما: حداثة كربلاء التي استشهد فيها الحسين بن علي رضي الله عنهما، ووقعة الحرّة ودخول المدينة المنوّرة من قبل جنده. وإذا كان بعضهم يحمّل المسؤولية للقادة لصعوبة الاتصال معهم في تلك الأيام، إلاّ أنّه كخليفة يتحمّل القسط الأكبر من المسؤولية، ولكن لا نُغالي في الكلام عنه كما تفعل الرافضة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير