تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ج) السفن ليست ملكاً له ليتصرف بها كيف يشاء، فهي إما لـ (يولْيان) الذي قدم للمسلمين عدداً منها لنقلهم إلى العدوة الأندلسية لفتحها انتقاماً لنفسه من ملك القوط، وإما للمسلمين يحاسبه على تصرف قادتهم. فقد سئل خالد بن الوليد رضي الله عنه، عن إعطائه المال للأشعب الكندي لما أبداه من مهارة وتضحية في حرب الروم، وكان العطاء من ماله الخاص، ويقصد السائل -وهو أمير المؤمنين- أن في ذلك العطاء تبذيراً.

د) لم يحاسب طارقاً أحدٌ من قادته سواء أكان القائد العام موسى بن نصير أم الخليفة الوليد بن عبد الملك، مع العلم أن طارقاً كان مولىً لموسى بن نصير فليس له حق التصرّف الذي قد يفعله أبناء السادة المغرورين عند غير المسلمين.

هـ) ألا يمكنه أن يأمر بالسفن فتعود إلى العدوة المغربية فيصل إلى النتيجة نفسها؟ وهذا ما تم، وذلك أفضل من أن يقوم بإحراقها ويخسرها المسلمون.

و) لا يمكن لقائد واسع النظر أمثال طارق أن لا ينظر إلى المستقبل فيترك جيشه الصغير في بلاد الأندلس الواسعة، والتي من ورائها أوربا تدعمها، وبين مخالب دولة القوط الحاقدة المتربصة بالمسلمين التي تنتظر الفرصة لتعمل مخالبها فيهم.

ز) ألا يتوقَّع طارق مدداً؟ وهذا ما حدث، فعلى أي شيء يُنقل المدد، لقد انتقل المدد على السفن نفسها.

ح) من أين جاء موسى بن نصير بالسفن التي انتقل عليها إلى الأندلس مع بقية الجيش عندما خاف على المسلمين الذين توغّلوا بعيداً داخل الأندلس؟ لقد انتقل على السفن نفسها.

ط) لم تكن عملية إحراق السفن بالطريقة التي تُلقي الحماسة في نفوس المسلمين، لقد عُرف الموضوع عندهم بالتذكير بإحدى الحسينين، فلا شيء يدفعهم مثل ذلك، فهم من أجل هذا خرجوا، ولعلنا نذكر الآن ما قاله عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في مؤتة عندما رأى المسلمون كثرة الروم حيث كان يزيد جمعهم على مائتي ألف ولم يكن عدد المسلمين ليصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف، فتخوَّف الناس على الجيش، وأخذوا يدرسون الموقف، وكأن شيئاً قد وقع في نفوسهم، فقال لهم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: "إنّ الذي تخافون للذي خرجتم تطلبون، والله ما انتصرنا بكثرة ولا بقوة سلاح وإنما بما نحمل بين أظهرنا .. " فتشجع الناس وأقبلوا.

ك) إحراق السفن لا يفيد عندما يقع الهلع في النفوس. وقد كانت العرب في الجاهلية وربما بعض الأمم الأخرى إذا خرجوا للقتال أخذوا معهم نساءهم وأبناءهم كي لا يفرّوا خوفاً على النساء والذراري من أن تقع في السبي، ولكن إذا حمي الوطيس، واحمرت الحدق، ووقع الرعب في القلوب، فرّوا لا يلوون على شيء، وما غزوة حنين بخافية على أحد، إذ وقعت نساء وذراري هوازن في السبي حتى أخلى سبيلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن جاء أهلوهم أذلاء راجين العفو. فإذا كانت الذراري لا يلتفت إليها أهلها فهل يهم الخائف وجود سفن أو لا؟ إذ لا يفكر الخائف إلا بالنجاة من المأزق الذي هو فيه، وبعدها يبحث في طريق الوصول إلى المأمن.

إذن، لم يحرق طارق السفن، وبقيت لدى المسلمين، وانتقل المدد إلى الأندلس عليها، وانتقل قائدهم مع بقية الجيش إلى الأندلس عليها، وقضية إحراق السفن فرية وضعها بعضهم لإبراز فكرة التضحية والإقدام عند طارق، وروّجها أو أسهم في وضعها الذين لهم أهداف بعيدة في تشجيع المسلمين على مخالفة الإسلام، والقيام بمثل هذه الأعمال الانتحارية، وحرمان المسلمين من بعض وسائل الحرب لديهم بالتفريط فيها وإضاعتها.

طبخ لحوم القتلى

روى بعض المؤرخين قصة غريبة، ومنهم ابنُ القوطية في كتابه (افتتاح الأندلس)، وابنُ الكردبوس في كتابه (تاريخ الأندلس) مع أن الأول متَّهَم بالشعوبية وإعطاء صفات للقوط تفوق صفات غيرهم من الشعوب، فإن الثاني مولع بإيراد الغرائب والقصص المنسوجة من الخيال. ولْننقل ما قاله ابن الكردبوس: “ورحل لذريق قاصداً قرطبة يريد طارقاً، فلما تدانَيا، تخَيَّر لذريقُ رجلاً شجاعاً عارفاً بالحروب ومكائدها، وأمرَه أن يدخل في عسكر طارق فيرى صفاتهم وهيئاتهم، فمضى حتى دخل في محلة المسلمين، فأحس به طارق فأمر ببعض القتلى أن تقطع لحومهم وتُطبخ، فأخذ الناس القتلى فقطعوا لحومهم وطبخوها، ولم يشك رسولُ لذريق في أنهم يأكلونها. فلما جَنَّ الليلُ أمر طارق بهرق تلك اللحوم ودفنها، وذبْحِ بقرٍ وغنمٍ وجعل لحومها في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير