تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل رأى ابن بطوطة الشيخ ابن تيمية؟]

ـ[ابن عبدالباقى السلفى]ــــــــ[06 - 07 - 09, 11:03 م]ـ

أفرد الرحالة المغربي ابن بطوطة اللواتي (ت 776 هـ)، قسماً من كتابه: تحفة النظار، لمشاهداته بمدينة دمشق (سنة: 726هـ)، منها ما رواه عن شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية (ت 728 هـ) فكان مما قاله عنه:

«وكنت إذ ذاك بدمشق، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلّم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته، وظهر على رأسه شاشية حرير، فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عز الدين بن مسلم قاضي الحنابلة، فأمر بسجنه وعزّره بعد ذلك؛ فأنكر فقهاء المالكية والشافعية ما كان من تعزيره، ورفعوا الأمر إلى ملك الأمراء سيف الدين تنكز، وكان من خيار الأمراء وصلحائهم، فكتب إلى الملك بذلك وكتب عقداً شرعياً على ابن تيمية بأمور منكرة، منها: أن المطلق بالثلاث في كلمة واحدة لا تلزمه إلا طلقة واحدة، ومنها أن المسافر الذي ينوي بسفره زيارة القبر الشريف لا يقصر في الصلاة، وسوى ذلك مما يشبهه، وبعث العقد إلى الملك الناصر، فأمر بسجن ابن تيمية بالقلعة» [1]

فهو هنا قد صرّح بأنه رأى شيخ الإسلام ابن تيمية بأم عينيه يعظ الناس بالجامع، ويمثل لهم صفة النزول كنزوله هو من على المنبر. وهذا اتهام خطير لابن تيمية بتمثيل وتشبيه وتكييف صفة إلهية بصفة بشرية. فهل حقا أن ابن بطوطة رأى ابن تيمية وصدر منه ما رواه عنه، أم هو أمر افتراه أو حكاه له خصوم ابن تيمية ولم يره بعينيه؟.

إنه حسب ما صرّح به في رحلته فقد رآه بعينيه، لذا فإنني أقول: إن ما رواه ابن بطوطة غير صحيح، بناء على الشواهد الآتية:

أولها: إنه عندما دخل مدينة دمشق في التاسع من رمضان سنة 726 هـ[2] كان الشيخ ابن تيمية مسجوناً بقلعة دمشق منذ السادس عشر من شعبان سنة 726 هـ، بفارق زمني قدره 25 يوماً، ولم يخرج من السجن إلى أن توفي - رحمه الله - بداخله في العشرين من ذي القعدة سنة 728 هـ[3] فهل يعقل بعد هذا أن يقال: إن ابن بطوطة رأى ابن تيمية وحضر درسه؟! أليس هذا دليلاً دامغاً ينسف الرواية من أساسها؟.

وثانيها: إن مصنفات ابن تيمية شاهدة على بطلان ما رماه به ابن بطوطة، فموقفه من مسألة الصفات واضح جداً، فقد نص على أن الله - تعالى -: «كما شاء أن ينزل، وكما شاء أن يضحك، فليس لنا أن نتوهّم أنه ينزل عن مكانه، كيف وكيف» [4]. وقال في موضع آخر: «إن الله - تعالى - ينزل كما شاء، فليس لنا أن نتوهّم كيف وكيف» [5]. ونص أيضاً على أننا لا نعلم كيفية النزول وغيره من الصفات الإلهية، لأننا لا نعلم ذاته - تعالى -، و «العلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف، فكيف يمكن أن تُعلم كيفية صفة الموصوف ولم تُعلم كيفيته؟!» [6] وأمثال هذه الأقوال كثيرة جداً في مصنفات ابن تيمية، وهي تدل بالتأكيد على أنه بريء مما رماه به ابن بطوطة. كما أنه من جهة أخرى، لا يصح شرعاً ولا عقلاً، أن نغمض أعيننا عن أقوال الرجل الثابتة عنه، ونقدم عليها رواية غير ثابتة رواها رجل يخالفه في موقفه من مسألة الصفات.

والشاهد الثالث، هو أن الحادثة التي رواها ابن بطوطة عن ابن تيمية لم أعثر لها على أي أثر في كل كتب التواريخ والتراجم والطبقات التي اطلعت عليها - وهي كثيرة - أهمها المصنفات التي توسعت في أخباره ومناقبه، منها: البداية والنهاية لابن كثير، والعقود الدرية لمحمد بن عبد الهادي الصالحي، والرد الوافر للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي، والأعلام العلية في مناقب ابن تيمية لأبي حفص عمر بن البزار البغدادي، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي، الذيل على طبقات

الحنابلة لابن رجب البغدادي، وتذكرة الحفاظ للذهبي، أفيُعقل أن يروي ابن بطوطة تلك الرواية الخطيرة عن ابن تيمية ولا ترويها تلك المصادر التي رجعت إليها؟!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير