وذكر لي أنه في أثناء انتقاله للرياض كان في ضيافة الشيخ الشتري لأنهم استأجروا للشيخ منزلين، منزلاً للعوائل، ومنزلاً للرفقاء، قال لي الشيخ: " وفي السنة التي بعدها رأيت أنا وأحد زملائي أن نستقل في منزل صغير لكثرة من يغشى الشيخ من الزوار الذين لا نتمكن معهم من المذاكرة والمدارسة ".
وكان الشيخ مجدا في طلبه للعلم وقراءة المطولات، وكان يقرأ كثيرا منها على شيخه أبو حبيب من بعد صلاة المغرب من كل يوم إلى أذان العشاء، وكذلك في الضحى من بعد طلوع الشمس إلى قرابة الساعة ونصف.
وقد قرأ على شيخه في هذين الوقتين المباركين كتباً كثيرة، كالصحيحين ومختصر سنن أبي داود، وتفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، وجامع العلوم والحكم، وسبل السلام، والآداب الشرعية لابن مفلح، وشرح الزاد، فضلا عن المتون الكثيرة.
وكان الشيخ متنوع المشارب، فقد أخذ عن علماء بلده، وعند انتقاله للرياض درس على كثير من المشايخ وعلى رأسهم الشيخ: محمد بن إبراهيم فقد قرأ عليه الروض المربع، وبلوغ المرام، وفتح المجيد، وكتاب الإيمان والواسطية والحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ودرس على الشيخ إسماعيل الأنصاري، وحماد الأنصاري الإفريقيين، ومحمد البيحاني من حضرموت، وابن عمار من الجزائر، والشيخ عبد الرزاق عفيفي من مصر، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي من موريتانيا، وغيرهم كثير.
فهم كوكبة من كبار العلماء ذوي العلم الواسع في الفتون المختلفة في التفسير والفرائض والفقه والحديث والعقيدة والأدب.
وكان مثابراً على طلب العلم متحملاً للمشاق في جمعه، يذهب في الصباح الباكر مشياً على الأقدام للقراءة على شيخه (صالح بن مطلق) في قرية مجاورة لبلده تبعد عنها نحوا من 5 كيلو أو 7 كيلو، ويرجع في المساء ماشياً، وقد يبيت عنده أحيانا، ويعود في اليوم الثاني.
ويتحمل المشاق في سبيل مرافقة شيخه حتى لو اضطر للركوب في صندوق السيارة.
وقد كان شيخه صالح بن مطلق أديباً مفوهاً يحفظ من النظم ما يزيد على خمسين ألف بيت، فضلا عن الأشعار والمقامات والقصص الكثيرة، وهو كما ذكر لي الشيخ: " ضرير البصر، وكان يدلنا على كثير من القصائد ويحثنا على حفظها ".
وقد صحبه الشيخ ابن جبرين في سفره إلى مكة للحج مرتين، الأولى منهما كانت أول حجة للشيخ سنة (1369) وكانت في سيارة مكثوا في الطريق 5 أيام ذهاباً، و3 أيام إياباً.
قال الشيخ ابن جبرين: " وكان الطريق صحراوياً ولا نستطيع أن نسري في الليل، ونتوقف في وسط النهار أيضاً في القيلولة، وفي هذه المدة نقرأ عليه في وقت القيلولة، وكذلك في وقت الصباح قبل الركوب وبالأخص في مناسك الحج ".
وقد كان الشيخ ممن اختارهم الشيخ أبو حبيب لصحبته في رحلته للمناطق الشمالية بتكليف من الشيخ ابن إبراهيم نظرا لحاجة تلك المناطق للتعليم والتوجيه، وقد ذكر لي الشيخ جانبا عن رحلته هذه فقال: " هذه رحلة طويلة، وهي التي أرسلنا فيها الشيخ محمد بن إبراهيم، وجعل رئيسنا الشيخ عبد العزيز أبو حبيب الشثري رحمه الله، ندعو ونعلم في هذه المدة التي استغرقت ثلاثة أشهر ونصف، ابتدأنا من أرماح، ثم مشينا على الحدود الشمالية من قرية، والحفر، والقيصومة، والحدود حدود العراق، وانتهينا إلى حدود الأردن إلى الطريف، وإلى حقل، وإلى حدود الساحل، ثم رجعنا إلى المدينة .. خيبر .. العلا .. تبوك، وهكذا ... ".
وكان الشيخ يمضي وقته في الرياض في طلب العلم، فمن بعد الفجر حتى انتشار الشمس يقرأ على الشيخ محمد بن إبراهيم، وبعد درس الفجر للشيخ محمد بن إبراهيم، يذهب إلى المنزل لتناول الفطور، ثم يرجع بعد ساعة ونصف لتلقي بعض الدروس في المسجد.
ومما ذكره لي الشيخ، قال: " عندما قدمنا على الرياض في سنة (1374) رأى الشيخ الشثري رحمه الله أن يستزير جملة من المشائخ في ليلة الجمعة مساء الخميس من كل أسبوع، ومنهم الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبد العزيز الأشقر، فلسطيني، وجملة من المشائخ أحياناً ابن مهيزع.
¥