تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعندما مات جنكيز خان حدثت بعض الصراعات بين أتباعه، وانتهى الأمر إلى تقسيم مملكة التتار الواسعة إلى أجزاء عدة، وما يهمنا الآن من هذه الأجزاء جزآن؛ أما الجزء الأول فهو الذي يضم منغوليا والتركستان الشرقية، وكان على رأسه "أريق بوقا"، وهو من أسرة أوكيتاي المغولي، وهذا الجزء يضم دولة التركستان الشرقية بكاملها، وقد تحسنت علاقة التتر بالمسلمين مع مرور الوقت، بل وصل الأمر إلى أن اعتنق أحد زعمائهم وهو "طرما تشيبرين" الإسلام، وبالتالي دخلت أعداد كبيرة من المغول في دين الإسلام، وهو من العجائب في التاريخ حيث يدخل المحتلون القاهرون في دين المستضعفين المهزومين، وهذه عظمة الإسلام وقوة حجته، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون! وكان هذا التحول إلى الإسلام في سنة 722هـ/ 1322م.

وبالمناسبة فهذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها المغول إلى الإسلام، فقد دخل قبل ذلك أحد زعمائهم الكبار وهو بركة خان إلى الإسلام، وأسلمت معه قبيلته المعروفة بالقبيلة الذهبية، وكانوا يعيشون في منطقة القوقاز في وسط آسيا.

مسلمو الصين وأسرتا قوبيلاي

أما الجزء الثاني الذي له علاقة بقصتنا فهو منطقة الصين، حيث دخلت في حكم قوبيلاي بن تولوي المغولي، الذي جعل عاصمته في مدينة خان باليغ الصينية، والتي صارت بكين بعد ذلك. ومن العجيب أن هذه الدولة كانت تقدِّر المسلمين جدًّا وتحترمهم، مع أن جيوش التتار ذبحت قبل ذلك ملايين المسلمين في البلاد الإسلامية، لكن أسرة قوبيلاي في الصين كانت تتعامل مع المسلمين الصينيين أرقى معاملة لما تميزوا به من الكفاءة والأمانة وحسن الأخلاق والقدرة على الإدارة؛ مما دفع أسرة قوبيلاي إلى استخدام المسلمين في الولايات العامة وفي المناصب الكبرى، ولم يكن بالضرورة أن يستخدموا المسلمين من أبناء الصين، بل كانوا يستعملون أيضًا المسلمين القادمين من التركستان الشرقية أو الغربية، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن القادة المسلمين كانوا يحكمون 8 ولايات من أصل 12 ولاية تتكون منها الصين آنذاك! ومن أشهر المسلمين نفوذًا في هذه الحقبة "شمس الدين عمر" الذي ترقى من كونه ضابطًا بالجيش المغولي الحاكم للصين إلى حاكم عسكري لمدينة تاي يوان، ثم مدينة بنيانغ، ثم صار قاضيًا في مدينة بكين، ثم حاكمًا لمدينة بكين العاصمة! وقد اهتم هذا الحاكم المسلم بإنشاء عدد كبير من المدارس والمعاهد الدينية في الصين، ولعل أكثر المساجد الموجودة الآن في الصين قد أسِّست في "العهد المغولي"، وذلك في ظل المكانة المرموقة التي كان يتمتع بها المسلمون.

ظلت أسرة قوبيلاي المغولية تحكم الصين حتى سنة 770هـ/ 1368م حين سقطت هذه الأسرة على يد أسرة صينية شهيرة هي "أسرة منغ"، والذي امتد نفوذها خارج الصين ليصل إلى تركستان الشرقية، التي كانت في حوزة المغول من أسرة أوكيتاي.

وعلى الرغم من التغير الاستراتيجي الكبير الذي حدث بانتقال الحكم من المغول إلى الصينيين إلا أن وضع المسلمين في دولة الصين، وكذلك في دولة التركستان الشرقية ظل متميزًا؛ حيث سارت أسرة منغ على نفس طريق أسرة قوبيلاي المغولية، وقدَّموا المسلمين البارزين علميًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا إلى المراكز المرموقة في الدولة، وظل هذا الوضع إلى سنة 1052هـ/ 1642م.

اضطهاد المسلمين في عهد المانشوريين

لكن في سنة 1052هـ/ 1642م سقطت دولة منغ لتقوم مكانها دولة صينية جديدة تحت قيادة عائلة مانشو Manchu، وهي المعروفة بالأسرة المانشورية، لتمارس أسلوبًا جديدًا في التعامل مع المسلمين، وهو أسلوب الصدام والصراع؛ فقد خشي المانشوريون من نفوذ المسلمين، فبدءوا في اضطهادهم وقمعهم، وزاد الأمر خطورة عند اكتشاف محاولة لإعادة أحد أمراء أسرة منغ إلى الحكم بمساعدة المسلمين، وذلك في سنة 1058هـ/ 1648م؛ مما أدى إلى تصعيد خطير من الأسرة المانشورية، وقامت بقتل خمسة آلاف مسلم، وامتد هذا التوتر وبشكل أكبر إلى ولاية كانسو، وهي إحدى الولايات القريبة من التركستان الشرقية، والتي تتميز بكثرة إسلامية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير