تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلو أردنا، أن نسقط هذا الكلام على حياتنا اليومية، إنسان مشغول بدكانه، يقول لك: نحن هذه الأيام عندنا موسم، فهو إنسان مشغول بتجارته، وآخر مشغول بمعمله، وثالث اشترى أرضًا، وهو يزرعها، أين أنت؟ فيجيب: واللهِ في المزرعة، ما رأيناك هذا الأسبوع في الدرس، واللهِ كنا في المزرعة مشغولين، فمَن شغلته الدنيا فهذا مباح، والمباح مِن الحلال، ولا يعنينا هنا الحرام إطلاقاً، إنسان مشغول بدنياه.

فالصحابة الكرام مهاجرون وأنصار استقبلوا رسول الله، وهذا الصحابي الجليل كان في البوادي مع غنيماتٍ له يرعاها. لكنَّ الفرحة التي غمرت المدينة المنورة، ما لبثت أن عمَّت بواديها القريبة والبعيدة، وأشرقت في كل بقعةٍ من بقاعها الطيبة، وبلغت تباشيرها عقبة بن عامر الجهني، وهو مع غنيماته بعيداً في الفلوات، أخبار مجيء النبي، وصلت إلى البوادي، كما أنّ أخبار استقباله وصلت إلى البوادي والحواضر.

لاحظْ الآن شعور سيدنا عقبة، فقد كان بعيدًا عن رسول الله، بعيدًا عن استقباله، مشغولاً بغنيماته، لكن لا تنسَ أيها الأخ الحديث القدسي: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ * (سنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري) شيء كبير بالتعبير العامي، لمَّا تطلب العلم، ولمَّا تنتزع من وقتك الثمين وقتًا لحضور مجالس العلم، ولمَّا تنتزع من وقتك وقتًا لمعرفة الله، ولمَّا تنتزع وقتًا، من وقتك الثمين للدَّعوة إلى الله، ولمَّا تنتزع وقتًا من وقتك الثمين لإصلاح ذات البين، فهذا عمل عظيم، كله مسجل. يقول أصحاب السِّيَر: فلنترك الكلام لعقبة بن عامر ليروي لنا قصته، مع رسول الله صلى الله علية وسلَّم، قال عقبة: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم المدينة، وأنا في غنيماتٍ لي أرعاها. فالواحد منّا أيها الإخوة، لا يكون أسير دكانه، وأسير تجارته، وأسير معمله، وأسير مهنته، وأسير بيته، قابعًا في البيت، مستعدًّا أن يتخلّى عن أكبر طاعة، وعن واجب ديني، وعن عمل جليل، وعن بطولة، من أجل تلبية حاجة أهله، أو مزاولة عمله، فواجب الإنسان أكبر من بيته، وأكبر من عملِهِ، أكبر مِن كل شاغل، والله عزَّ وجل يقول: (سورة المدثر)

يعني الله أعظم، من أن تُشغل عنه.

فسيدنا عقبة بن عامر الجهني قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، المدينة وأنا في غنيمات لي أرعاها، فما إن تناهى إليَّ خبر قدومه صلّى الله عليه وسلّم، حتى تركتُها، ومضيت إليه، لا ألوي على شيء، إيمان جيد، فلّما لقيته قلّت: يا رسول الله تبايعني؟ فقال عليه الصلاة والسلام: فمن أنت؟ قلتُ: أنا عقبة بن عامر الجهني.

انظرْ إلى الأدب، فقد سأله النّبي: من أنت؟ والإنسان لا شك يحب أن يتعرف على إخوانه، أخ يداوم معه منذ ثماني سنوات، لا يعرف اسمه، لا ما عمله، ولا كم مرة التقيت معه!! ألا يجب أن يكون بينكم تعارف؟ أحياناً هذه المعرفة تثمر خيراً كبيراً، من ثمراتها التواصل، والتوادد والتعاون، يرقى عند الله عزَّ وجل، أحياناً يُعاوَن معاونة طيبة، يرقى عند الله عزَّ وجل، والتعارف من سنة رسول الله، أمّا الفوضى، أحضرْ وامشِ، ليس لي علاقةٌ مع أحد، هناك جامعات فيها نظام الاستماع، وأيّ إنسان يتمكن أنْ يدخل هذه الجامعة حاليًّا، يحضر ويدخل في شعبة الطب، ويأخذ شهادة؟ أما إذا كان اسمه موجودًا في السجلات، يُعدُّ طالبًا نظاميًا، ويصبح دكتورًا بعد ذلك.

الأخ المتفوق الذي له أعمال طيبة يحفظ اسمه مباشرةً، أمّا الذي ليس له أي سيئة، ولا حسنة، وهو على الحياد، فهذا قلما يذكره الإخوة الكرام إذا غاب، أما بعضُ الإخوة إذا غاب درسًا واحدًا أحدث فراغًا، فكنْ من هذا النوع، إذا غِبتَ درساً تُحدِثُ فراغاً، فلان لم يأتِ اليوم، فنحن أسرة متآخية، فلِمَ؟ اسألوا عنه. قال له: من أنت؟ قال له: أنا عقبه بن عامر الجهني، دققوا في هذا السؤال .. قال عليه الصلاة والسلام: أيُّما أحبُّ إليك، تبايعني بيعةً أعرابيةً، أو بيعة هجرةٍ؟ أي أأنت تحب إسلامًا من بعيد؟ لقد كنتَ في البادية فأتيتَ إلينا،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير