تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تحب أن تبايعني يا عقبة بيعة باديةٍ، أعرابيةٍ، أو بيعة هجرةٍ؟ فهل ستعطينا شيئًا من وقتك؟ وشيئًا من طاقتك؟ وشيئًا من جهدك، وتكون كلَّك لله عزَّ وجل؟ كلّ وقتك، وكل طاقتك، وكل إمكانياتك. قلت: بل بيعة هجرةٍ، وهذه أعلى رتبةً ومنزلة وقربًا، فبايعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما بايع عليه المهاجرين، وأقمتُ معه ليلةً، ثم مضيت إلى غنمي، ليلة واحدة، وكنا إثني عشر رجلاً مِمَّن أسلموا، نقيم بعيداً عن المدينة، لنرعى أغنامها في بوادينا، فقال بعضنا لبعض: والله لا خير فينا، إذا نحن لم نقدُم على رسول الله صلّى الله عليه وسلًم، يوماً بعد يوم، ليفقِّهنا في ديننا، وليسمعنا ما ينزل عليه من وحي السماء، فليمض كلَّ يومٍ واحدٌ منا إلى يثرب، وليترك غنمه لنا، فنرعاها له.

والله، هذا اتِّفاقٌ جميل، لقد اتفق هؤلاء على أن يرسلوا كلَّ يومٍ واحداً منهم إلى النّبي عليه الصلاة والسلام، ليستمع منه إلى وحي السماء، ثم ليعود إلى أصحابه، فيبلِّغهم ذلك. فقلت لهم: اذهبوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم واحداً بعد آخر، وليترك لي الذاهب غنمه، لأني كنت شديد الإشفاق على غنيماتي مِن أن أتركها لأحد.أي آثر غنماته على أن يذهب يومًا كل فترة إلى النّبي عليه الصلاة والسلام. حينما أخبر النّبيُّ عليه الصلاة والسلام سيدَنا الصديق أنه مهاجر، سمح له أن يكون رفيقه، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيْ النَّهَارِ فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَرُعْنَا إِلَّا وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا لِأَمْرٍ حَدَثَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ يَعْنِي عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ قَالَ أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ قَالَ الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الصُّحْبَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ فَخُذْ إِحْدَاهُمَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ* (رواه البخاري)

فالإنسان في بعض أطوار إيمانه لا يستطيع أن يدع إخوانه المؤمنين أبداً، حياته معهم، المسجد بيته، فهو في المسجد كالسمك في الماء، فإذا خرج منه شعر بالضياع، حتى الذهاب إلى النبي اعتذر عنه، وقال: دعوني، اذهبوا أنتم إلى مجلس النّبي الكريم واحداَ بعد آخر، وليتركْ ليَّ الذاهب غنمه، لأني كنت شديد الإشفاق على غُنيماتي، لا أحب أن أتركها لأحد. ثم طفق أصحابي يغدون الواحد تلوَّ الآخر إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ويترك لي غنمه أرعاها له، فإذا جاء أخذت منه ما سمع، وتلقيِّت عنه ما فقه، لكنني ما لبثت أن رجعت إلى نفسي، وقلت: ويحك، أمن أجلُّ غنيماتٍ لا تسمن، ولا تغني، تفوِّت على نفسك صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ والأخذ عنه مشافهةً، من غير واسطة؟ ثم تخلّيت عن غنيماتي، ومضيت إلى المدينة، لأقيم في المسجد، بجوار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فالملازمة جزء أساسي من دين الإنسان، والمتابعة، والثبات، والدوام، أن تكون دوماً مع المؤمنين، دوماً معهم في مهماتهم، في دروسهم، في أعيادهم، في مسراتهم، في مناشطهم، أنت معهم دائماً، أما أن يغيب الإنسان لمصالحه الشخصية، ويؤثرها على الله ورسوله، فهذا لا يغني ولا يشفي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير