تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سيدنا عقبة بن عامر الجهني إنسان يرعى غنيمات في البادية، ما مرتبته الاجتماعية؟ راعي غنم، وأعتقد أن أقل وظيفة في الأرض أن تكون راعي غنم، اذهب إلى أطراف البادية فستجد راعي الغنم إنسانًا لا يملكُّ شيئاً من الدنيا، لا ثقافة، ولا علّم، ولا إمكانيات، يرعى الغنم، لكن سيدنا عقبة بن عامر الجهني، لما لازم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولعلكم لا تصدقون، قال: لم يكن يخطر على بال عقبة بن عامر الجهني حين اتخذ هذا القرار الحاسم الحازم، راعي الغنم، الذي آثر غنيماته في البادية على مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لما اتخذ قراراً حازماً حاسماً بملازمة النّبي عليه الصلاة والسلام، مَن منكم يصدِّق، أنه سيغدو بعد عقدٍ من الزمان - والعَقْد عشرُ سنوات - عالماً:

1ـ عالماً من أكابر علماء الصحابة.

2ـ قارئاً من شيوخ القرَّاء.

3ـ قائداً من قوَّاد الفتح.

4ـ والياً من ولاة الإسلام المعدودين.

ولم يخطر على باله مجرَّد التخيُّل وهو يتخلّى عن غنيماته، ويمضي إلى الله ورسوله، أنه سيكون في طليعة الجيش الذي يفتح دمشق، هو الذي ساهم مع قيادة الجيش في فتح دمشق، ويتخذ لنفسه داراً بين رياضها النضرة عند باب توما، دارُ هذا الصحابي الجليل، عند باب توما، ولم يكن يتصور، أنه سيكون أحد القادة الذين سيفتحون مصر، وأنه سيغدو والياً عليها، ويتخذ لنفسه داراً في سفح جبلها المقطم، كلُّ هذا كان بعد أن تخلّى عن غنيماته. دعْك مِن هذه الدكان، الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، قال: من طلب العلم تكفَّل الله له برزقه.

قال: كان الحديث منعطفًا في حياتي، وطلب العلم. الله عزَّ وجل أكرم الأكرمين، إذا شغلك شيءٌ عن طلب العلم فدعْه، ولا تقبلْ عملاً يحرمك من طلب العلم، شرطوا عليك دوامًا إلى الساعة العاشرة ليلاً كلَّ يوم، إذًا فلن تحضر أي درس، يقولون لك: أما أعجبك هذا الدوام؟ لا، إذًا مع السلامة، وأنا لي الله الرازق، ومَن بيده الخير، لا أحد يقبل عملاً يحرمه من كل دروس العلم، فليس معقولاً ذلك. لا تسمح لزوجة، أو لأيّ عمل مهما كان نوعه؛ دكان، معمل صغير، مزرعة، مدجنة، أن يستهلكك نهائيًّا، فالعمر قصير مهما طال، والأجل قريب، وملّك الموت بالمرصاد، فماذا قدَّمت؟ واللهِ لا شيء، هذه قاصمة الظهر.

والله أيها الإخوة ... موقف لا أنساه أبداً، أخ كان يحضر بعض الأحيان، بلَّغني ابنه أنه توفي، رحمه الله، فحضرتُ جنازته، وقام أحد الدعاة فأبَّنه، قال: أخوكم أبو فلان، كان مؤذنًا، ترحموا عليه، كلمة واحدة، لم يتمكن أن يتكلمَّ كلمة ثانية، ولا كلمة ثالثة، فلعله لم يجد إيجابيات أخرى لتأبينه، فالإنسان يعمل عملاً في الدنيا ويتكلمون عند تأبينه عشر دقائق فقط، أو عشرين دقيقة، أو نصف ساعة، فأنت حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، فماذا فعلت أنت؟ حينما يوقفك ربنا عزَّ وجل بين يديه، يقول لك: يا عبدي ماذا فعلت؟ أين عملك؟ أين جهادك؟ أين طاعتك؟ أين بذلُك؟ أين تضحيتك؟ فتجد ما قدَّمت. ولْنَعُدْ إلى عامر الجهني، فقد غدا هذا الصحابي الجليل بعد أن صحب رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم عالماً من أكابر علماء الصحابة، ثم قارئاً من شيوخ القرَّاء، وقائداً من قوَّاد الفتح، ووالياً من ولاة الإسلام، وهو الذي ساهم في فتح دمشق، وصار والياً عليها، وساهم في فتح مصر، وصار والياً عليه، لذلك هذا الحديث القدسي يجب أن يبقى في أذهانكم: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ * (سنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري)

أنت تريد وأنا أريد .... :

ولْنستمع إلى هذا الحديث القدسي الآخر: " أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلَّمت لي فيما أريد، كفيتك ما تريد، وإن لم تسلّم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ". مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ * (سنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري) " ابن آدم، كن لي كما أريد، ولا تعلمني بما يصلحك، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ".أنت تعامل مَن؟ تعامل خالق الكون، هل يعجزه شيءٌ في السماوات و الأرض؟. " ما ترك عبدٌ شيئاً لله، إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ". (ذكره ابن كثير في تفسيره لسورة النحل، الآية 40 - 41، من قول مجاهد) " أوحى ربك إلى الدنيا، أنه من خدمك فاستخدميه " .... يحرق نفسه، ويعيش في الهمِّ، ويموت في الهمِّ، وضغوط، وهموم لا نهاية لها، فخذ من الدنيا ما شئت، وخذ بقدرها همًّا. " أوحى ربك إلى الدنيا، أنه من خدمك فاستخدميه، ومن خدمني فاخدميه ". بالتعبير الدارج، " حوينتك "، أيْ خسارتك كبيرة كبيرة أن تكون لغير الله عزَّ وجل، " حوينتك "، وتكون قد احتقرتَ نفسك، حين تبيعها لغير الله عزَّ وجل، وربنا عزَّ وجل يقول: (سورة فاطر)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير