[فوائد من مجالس العلامة حمد الجاسر، وفيها ذكر لطه حسين ومحمود شاكر وغيرهم ...]
ـ[أحمد بن موسى]ــــــــ[03 - 08 - 09, 09:57 ص]ـ
من مجالس عالم الجزيرة الشيخ (حمد الجاسر).
*بقلم الشيخ الحبيب النجيب: أبي أحمد عبد الله الهدلق.
المصدر: مجلة الإسلام اليوم، عدد (57)، شهر رجب، صفحة 26
نص المقال
لو لم أسكن سنة 1415هـ بجوار منزل العلامة حمد الجاسر رحمه الله لكنت الساعة شيئا آخر على غير ما أنا عليه، لو لم أسكن بجوار منزله لكنت شيئا آخر في جميع شؤون حياتي ... وهكذا القدر كثيرا ما يتأرجح بنا على خيط رقيق فاصل ....
لهذا الاسم " حمد الجاسر " وقع يبتدئ في نفس سامعه بالجلال ثم لا يلبث أن ينتهي به إليه ..
ولأن محل الجاسر من نفسي كمحل الشافعي من نفس العلامة أحمد شاكر فإني أقول في الجاسر ما قاله شاكر في صدر تحقيقه للرسالة: " وليس الشافعي ممن يترجم له في أوراق أو كراريس "
خبر الجاسر عندي لا يستوفيه مجلدان كبيران لكن لما ألحف علي بعض الأخوة بأن أقيد "شيئا" مما كنت سمعته من شيخنا العلامة في مجالسه من الفوائد استجبت فكتبت ما هنا.
لم يكن شيخنا حمد الجاسر قد صيغ من النحاس حتى آخذه وأضعه على قاعدة تمثال ثم أقول فيه ما يقوله كتاب التراجم عندنا فيمن يترجمون لهم: " وبعد فهذا هو التمثال فلان .. ".
لا ..
لم يكن حمد الجاسر تمثالا من نحاس وإنما كان إنسانا من لحم ودم، فيه من ضعف الناس ما في الناس
لكنه كان إنسانا عظيما، وليس كل الناس فيه من معنى العظمة ما في الجاسر وهذا هو الفرق بين الجاسر وكثيرا من الناس.
وأنا فكنت سألت أستاذا -ممن خالط العلامة محمود شاكر وخبر سواده وبياضه سألته- سؤالا فهم منه أني أريد أن أستبطن من خاصة أمر أبي فهر ما لا يعرفه كل أحد، فقال لي– فيما يشبه العتاب– كلمة ما زال صداها يتردد في أذني: "لقد أقدرني شيخنا محمود شاكر بتقريبه إياي على أن أرى مواطن ضعفه فمن اللؤم أن أقوى عليه به "!
وهكذا فليس الذي يصرفني عن تصوير شخصية الشيخ هنا إلا هذا "اللؤم" الذي لا أريد أن أوصم به لأني إن تحدثت عنه تحدثت عنه على ما كان عليه بما هو إنسان لا على ما في كتب التراجم عندنا من هذه الغثاثات.
كنت سكنت قريبا من منزل الشيخ فشجعني ذلك على أن كتبت له رسالة أدبية ثم ذهبت وطرقت باب منزله في ليلة من الليالي وسلمت الخادم الرسالة بعد كتبت في آخرها رقم هاتفي، وما هي إلا أيام حتى اتصل بي موظف من مكتب الشيخ يستفسر مني إن كنت صاحب الرسالة، فلما أجبته قال لي: هذا الشيخ يريد أن يتحدث إليك ..
كان الشيخ في السابعة والثمانين من عمره عضوا في ستة مجامع علمية مع جملة من الألقاب ربما فاقت سنيْ حياتي، فلما سمعت صوته وثناءه وطلبه أن أزوره، تأثرت تأثرا شديدا وذهلت عن نفسي حتى صرت أسمع صوتي يتهدج ويقول له شيئا لا أدري ما هو!
زرته بعدها بقليل، ثم إنه فتح لي صدره ومكتبه ومجلته فكان من أمن الناس علي، استصبحت بزيته، ودرجت من عشه، و أصبحت ولي من العلم والحياة والناس ما لم يكن لي من قبل.
وما هنا تقييد "يسير لشيء" مما سمعته من مجالسه من اللطائف والفوائد إذ ترددت على مجالسه عدة سنوات كنت ربما جالسته منفردا أو في جملة من الضيوف
وكان الشيخ موسوعة من العلوم والمعارف والتجارب ... لم أرى -فيمن العلماء - أقوى حافظة منه ولا أكثر تقلبا في الحياة، لا ولا أشد انقطاعا إلى العلم وتمحضا له ...
1 - قال لي الشيخ رحمه الله: لما ذهبت إلى الدراسة في مصر كان يزورني محمود أبو رية ويكثر من التردد علي وكان يكاد يعبد مصطفى صادق الرافعي لكثرة ما يثني عليه ...
قال الشيخ: وكانت عندي مشاغل واهتمامات يصرفني عنها أبو رية بكثرة تردده وحديثه فقلت له يوما بعد أن أكثر من الثناء على الرافعي كعادته: اسمع يا مولانا: أنا وهابي والرافعي يقول يستغيث بالسيد البدوي:
صريع على أعتاب أحمد مكنب == فيا سيد الفتيان أنت له طب
قال: فغضب علي أبو رية غضبا شديدا وقام ينفض يديه وثوبه في وجهي ولم أره بعدها ...
¥