كان قد دخل بين تركيا وتركستان، كان دخوله إيران وإستيطانه فيها بإقتدار، وقوة، أقوى بكثير من مجيء الفاطميين ـ في حينهم ـ إلى المغرب وإستيطانهم في مصر، وبينما استؤصل المذهب الشيعي من مصر، بضربة واحدة من صلاح الدين الأيوبي، ما تزال إيران حاليّا شيعيّة، حقق الشاه إسماعيل هذه النتيجة بإستيلاءه على إيران التي يشكل أكثريتها سنيّون، من حوزة أتراك آقويونلو السنيّين .. أرسل الشاه إسماعيل عملاءه وعيونه ـ الذين يُسمى واحدهم خليفة ـ إلى الأناضول لإدخال التركمان الذين لم يسكنوا المدينة، ويصبحوا أتراكا، إلى المذهب الشيعي،
من ناحية أخرى، كان يسعى إلى إضعاف وكسر شوكة الدولة العثمانية في الأناضول عن طريق الفوضى والإرهاب، وعلى الرغم من أنَّ مصر كانت حائزة على الخليفة، والمدن الإسلامية المقدّسة، والأمانات الإسلامية المقدّسة، والمؤسّسات الكبرى، كالجامع الأزهر، فإنهّا كانت بالنسبة للشاه مسألة ثانوية، ذلك أنه كان يدرك أنه عندما تتضعضع العثمانية فسوف تضمحل المماليك،
والعكس ليس صحيحاً، وكان يعلم أنَّ الدولة المملوكية في حالة إنحطاط، وفي فترة تدنِّ، أو هي على أقل تقدير، فقدت حيويتها، أما العثمانية، فإنها تعيش فترة حيويتها، مستهدفة إقامة الدولة العالمية
أرسل الشاه سفراء إلى البندقية ليخبرها بأنه عازم على القضاء على العثمانية، وأنه على الدول الأوربية إن كانت تريد الحصول على بعض المكاسب أن تتحرك من روملي، كان يعلم أن البندقية هي مركز الدبلوماسية الأوربية)
ثم قال عن معركة جالدران ـ 1514م ـ التاريخية التي هزم فيها الجيش العثماني الإسلامي جيش الشاه الصفوي
(لم تكن الدولة قد تهددت حتى ذلك اليوم بخطر خارجي كبير على هذه الدرجة، عدا تيمور .. لكن تيمور كان سنيا ـ حنيفا، أما الشاه، فإنه بالإضافة إلى أسره للأقطار، كان يريد أسر النفوس والضمائر، وكان يستعمل لتحقيق ذلك الإرهاب، والدم، والنار، والسيف، كان من الممكن أن يسفر إنهزام الجيش العثماني عن فرض الصفويين التشيع على الأناضول الوسطى، وإلحاقها بإيران) 215ـ 218
ثم قال في وصف المعركة: (أمر البادشاه فتح الجناحين على شكل هلال، وأخذت فرقة المدفعية موضعها، وأخذت كتائب التركمان الشجاعة، تتساقط بسرعة بنار المدفعية العثمانية، وبينما كان يتطلع إلى صحراء جالدران المليئة بعشرات الألوف من جنود الصفويين أغلق فيالقه في الجناحين الأيمن، والأيسر، وساق فرقة الإحتياطية إلى الأمام، وأمر بالهجوم على مركز الجناح الأيمن الصفوي الذي يضمَّ الشاه، جرحت يد الشاه ورجله، وأخذ يستعد للهرب، خاب ذكر الرجل الذي أفنى 12 من الدول خلال 15 عاما .. إنتقل سرادق الشاه، وعرشه، وخزينته التي تضم أكبر الماسات العالمية، وزوجته تاجلي خانم، لحوزة العثمانية ..
قرر الشاه عدم إمكان الدفاع عن مدينة العرش تبريز بعد مروره عليها، وهرب إلى المناطق الداخلية من إيران، كان عدد سكان تبريز في ذلك التاريخ يتجاوز المليون نسمة، ولم يكن في أوربا ـ بما فيه استنبول ـ أي مدينة بهذا الحجم، تليت الخطبة بالشعائر السنية، وبإسم السلطان سليم 1514م ـ). المصدر السابق 215ـ 218
ومضة
نجاح مشروع السلطان سليم العثماني في تكوين (إتحاد إسلام) أي الإتحاد الإسلامي العام
بعد معركة جالدران بسنتين، انتصر الجيش العثماني على الجيش المملوكي الذي كان بحوزته الخلافة العباسية، وتحت سلطته الميزات المعنوية العليا للمسلمين، مكة، والمدينة، والقدس.
وكان الإنتصار الكبير في مرج دابق، أعطى الإمبراطورية العثمانية قفزة تاريخية مكنتها من التربع على عرش أكبر دولة عالمية ذلك الوقت.
ومضة
خادم الحرمين الشريفين
عندما دخل السلطان سليم حلب، أطلق الخطيب الذي تلا الخطبة على السلطان سليم وصف (حاكم الحرمين الشريفين)،فتدخل البادشاه وبدَّل كلمة (حاكم) بخادم، ثم تلقب الخلفاء الذين انحدروا من بني عثمان، بصورة رسمية حتى 1924م، بلقب خادم الحرمين الشريفين. المصدر السابق ص 225
¥