[قضية دييغو لوبيز رحمه الله ... دروس و عبر.]
ـ[هشام زليم]ــــــــ[15 - 08 - 09, 01:06 م]ـ
[قضية دييغو لوبيز رحمه الله ... دروس و عبر.]
بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.
تقع بلدة بيلاروبيا دي لوس أخوس Villarubia de los Ajos شمال إقليم سيوداد ريال Ciudad Real الواقع وسط إسبانيا و تحديدا شمال إقليم الأندلس و جنوب إقليم طليطلة. بعد سقوط هذه المنطقة بيد نصارى قشتالة حافظ المسلمون بها على دينهم تحت الحكم النصراني و عُرفوا بالمدجنين. و بعد سقوط كامل الدولة الإسلامية سنة 1492م و إصدار قرارات التنصير الإجباري بحق كل المسلمين ابتداءا من 1499م, اضطر سكان بلدة بيلاروبيا لإضمار الإسلام و إظهار النصرانية لعلّهم يفلتون من الجحيم الذي تتوعدهم به الكنيسة إذا لم يعتنقوا عقيدة التثليث. و استمروا على هذا الحال إلى سنة 1611م حيث صدر قرار طردهم من إسبانيا أسوة بباقي المسلمين, فقاوموا هذا القرار مقاومة نادرة– كما بين ذلك الباحث الانجليزي دادسون- حيث حُملوا بالقوة إلى فرنسا فعادوا إلى بيلاروبيا, فحملوا مرة أخرى إلى مرافئ قرطاجنة لترحيلهم إلى المغرب لكنهم فروا قبل أن يصلوا إلى السفن قاصدين بلدتهم , فحاولت السلطات طردهم للمرة الثالثة سنة 1614م لكنها فشلت, فتركتهم بعد أن أعياها إصرارهم.
http://www.labriegorural.com/img/mapa.jpg
من بين مسلمي بيلاروبيا, رجل يدعى دييغو لوبيز Diego Lopez كان من بين الآلاف الذين تشبثوا بالأرض الأندلسية رغم أنف قرارات الطرد التي اجتهدت السلطات الإسبانية المحتلة في إصدارها. سنة 1613م و بينما كان معتقلا في السجن الملكي, كشف دييغو أمام الجميع عن عقيدته الإسلامية فشكل هذا الإعلان صفعة قوية على خذ السلطات المدنية التي أحالت ملفه إلى محكمة التفتيش بطليطلة, فقد تحول من ''مجرم عادي'' إلى ''خطر على أمن الدولة و وحدة المجتمع الكاثوليكي''.
جانب من بيلاروبيا
http://media-cdn.tripadvisor.com/media/photo-s/01/2d/c3/a3/las-cabanitas-entre-olivos.jpg
خلال محضر التحقيق معه قدّم عشرة أشخاص شهادات تتهمه بأداء عبادات إسلامية.
قد تبدو للوهلة الأولى هذه الشهادات طبيعية و لا شيء يستدعي الوقوف عندها. لكن الأمر ليس كذلك, فمعلوم عند أهل القانون أن الاعتراف سيد الأدلة و غالبا ما يكون الاعتراف بعد أن تحاصر الشهادات المُدينة المتهم فلا يجد مناصا من الاعتراف بعد أن تغلق منافذ التملص أمامه, أو –و هذه طريقة غير نظيفة البتة- يُنتزع الاعتراف عبر التعذيب و الضغط النفسي و الجسدي. لكن في حالة دييغو نرى شيئا آخر له أبعاد اجتماعية خلّفتها محاكم التفتيش في الحياة اليومية الإسبانية إلى يومنا هذا.
فدييغو سُجن في البداية لدى محاكم مدنية تعالج القضايا الجنائية أي أن جرمه لا علاقة له بالعقيدة, فلم يكن هناك أدنى شك من قبل النصارى في عقيدته النصرانية و لم يكن هناك أي شيء يستدعي إشهار إسلامه, لكن فجأة أعلن أنه مسلم, و هذا اعتراف يكفي أن يجعله حطبا لنار ''مراسيم الإيمان'' أو الأتودافي Autodafe, لهذا قامت السلطات المدنية بتسليمه مباشرة للمحاكم المختصة ب''جرائم العقيدة'' ألا و هي محاكم التفتيش السيئة الذكر.
كان يكفي محكمة التفتيش بطليطلة أمام هذا الاعتراف ''الطوعي'' أن تقدمه مباشرة للموت حرقا و لم تكن في حاجة لاستدعاء الشهود خاصة و أنها أحرقت غيره بناءا على اعترافات انتزعت تحت التعذيب و بناءا على شهادات غير موثوقة, و هي أدلة لا يمكن القبول بها في أي حال من الأحوال, فكيف بمن جاء بقدميه يعترف أنه مسلم, لقد وفّر عليهم جهدا كبيرا كانوا سيبذلونه في التحقيق و التعذيب و استدعاء الشهود.
في حالة دييغو عززت محاكم التفتيش ''الاعتراف'' بعشرة شهادات –أو كما سنرى بعد قليل ''وشايات''-!!! فهل كان هذا الاعتراف في حاجة لشهادات حتى يدينوا دييغو بتهمة الردة؟ و هل كانوا سيطلقون سراحه لو جاءت الشهادات عكس ما اعترف به؟ أم أنها مجرد إجراءات شكلية لا تأثر في مجرى الحكم؟ ثم, هل هؤلاء الشهود تمّ استدعاءهم و أرغموا على الشهادة ضده أم أنهم جاءوا بمحض إرادتهم ليدينوا شخصا رأوه يتعبد بالطريقة الإسلامية؟
لا ندعي حيازة الإجابة على هذه الأسئلة, لكن قد نحوز بعض عناصر الإجابة.
¥