تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في مقاله القيم حول محكمة التفتيش الإسبانية أبرز عالم الاجتماع و المؤرخ الإسباني خوليو كارو بارخا Julio Caro Baroja أن محاكم التفتيش رسّخت في أوربا –و خاصة إسبانيا- تصرفات و عقليات سيئة استمرّت إلى اليوم:"لو عشت زمن محاكم التفتيش, لكنت ربما عدوا لها بشكل أو بآخر. أما الآن و قد ولّى العصر الذي اشتغلت فيه, عليّ أن أكون عدوا للعادات التي بقيت في دماء العديد من الأسبان حتى اليوم منتقلة من الميدان الديني إلى المجال السياسي و البيروقراطي. عادات كالوشاية, الإبلاغ السري, الانتهازية الرسمية و عيوب أخرى نعرفها بحكم تجربة طويلة''

''إن العيش في السنوات التي عرفت استشراء طبقة الوشاة العامين '' los denunciantes p?blicos'' – أو الذين أطلق عليهم بالقشتالية القديمة ''النمامون'' malsines و باليونانية Sicofantes- يسمح لنا بإعادة خلق أو العيش تاريخيا في فترات أخرى و أجواء أخرى. كما يسمح لنا بمعاينة الآثار الرهيبة للكراهية بين جماعات عرقية'' (1)

لم يكن في الحقيقة باستطاعة المفتشين الإحاطة بجميع جوانب الحياة الشخصية للقاطنين بالأراضي الخاضعة لسلطتهم, فلجئوا لتشجيع الناس على الوشاية ببعضهم البعض, فانتشرت هذه الظاهرة في المجتمع انتشار النار في الهشيم فأصبح الابن يشي بوالده, و الأم بابنها و المرأة بزوجها ... ناهيك عمن يشي بعدوه و غريمه, و بما أن الكنيسة كانت قد أعلنت الحرب على المورسكيين و اليهود و البروتستانت –و على معتقداتهم و طقوسهم- فقد شكل هؤلاء وجبة دسمة لهواة الوشاية و الإبلاغ عن الجرائم ''العقدية''. هؤلاء الهواة تمّت تسميتهم بالنمامين malsines, و عرّف Covarrubias كوفاروبياث النمّام ب''من يُبلّغ العدالة سرّا عن بعض المخالفات بنية سيئة و لمصلحته الخاصة'' (2). باروخا بيّن أن أهل النميمة يلعبون دورا كبيرا في أوقات الفتن و المحن و الاستبداد حيث تختلط مفاهيم ''الجريمة'' و ''العدالة'' و تسير وفق إرادة الكنيسة, و تصير النميمة وسيلة للانتقام و القضاء على الخصوم (3) , بل و تصير أيضا سلّما يرتقي عبره البعض للتقرب من السلطة سواء الكنسية أو المدنية.

فهؤلاء العشرة الذين شهدوا ضد دييغو لوبيز –على الأقل بعضهم- هم مثال حي للنميمة التي استشرت في المجتمع, هذا لو كانوا بالفعل رأوا دييغو يؤدي عبادات إسلامية. لكن ماذا لو لم يكونوا رأوا شيئا و استغلوا الوضع لتلميع صورتهم ''كنمامين'' أمام المفتشين و تحقيق مكاسب شخصية؟

ثم هناك نقطة أخرى مثيرة للاهتمام, لماذا لم يبلغ الشهود في الحين عن دييغو لمّا رأوه يتعبّد و انتظروا حتى اعترف؟ فإمّا استدعتهم الكنيسة (كأقاربه و أصدقائه و جيرانه) مثلا للتأكد من الماضي الإسلامي و كذلك لاختبارهم, و إما ذهبوا بمحض إرادتهم لإجلاء الشكوك عنهم.

هنا تظهر نظرية أخرى, لقد بيّن الباحث الانجليزي دادسون أن النصارى القدامى لبيلاروبيا كانت تربطهم علاقات طيبة بالمورسكيين (4) , و من الممكن أنهم كانوا على علم بإسلام دييغو و أخفوا ذلك عن محاكم التفتيش, و لما انكشف الأمر لم يعد هناك فائدة من الإنكار فأخبروا المحكمة بما رأوا. لكن في هذه الحالة, هل اتخذت محكمة التفتيش إجراءات ضد هؤلاء الذين تستروا على جريمة ضد العقيدة الكاثوليكية؟ على العموم, لم يذكر المحضر أي شيء عن ذلك.

وسط مدينة بيلاروبيا

http://www.ciudad-real.es/provincia/villarrubia/grandes/villarrubia02.jpg

و نعود لأخينا دييغو لوبيز رحمه الله الذي لم ينفي ما كيل له من اتهامات في تلك الشهادات العشر بل أقرّها و استمر على عقيدته الإسلامية لسنة و نصف أخرى. و حسب محضر الاتهام فقد كان دييغو ''دائم العناد, و استمرّ في أداء ما شهد به الشهود ضده'' و أكّد للمفتشين أنه ''مسلم, و يجب عليه أن يكون كذلك و أن يعيش و يموت على هذه الملّة''. (5)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير