تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الحريم في الدولة العثمانية]

ـ[أبو سليمان العسيلي]ــــــــ[18 - 08 - 09, 05:47 م]ـ

[الحريم في الدولة العثمانية]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إننا مرتبطون ومفتونون بالتقاليد المحافظة الإسلامية الجميلة إلى درجة أننا لا نرتضي عَرضَ نسائنا أمام أنظار الآخرين. أما أدعياء التقدم المعارضون لهذا فلا يزالون يتخذون المرأة موضوعاً للشائعات المتعلقة بالحريم. ولكن ما الحريم؟ لوسألتهم هذا السؤال لأجابوا بأن القصص التي يحكيها الغرب نتيجة للحقد المرير الذي يحمله ضدنا قصص صحيحة، فقد كان الحريم – حسب زعمهم – وكأنه محل للإستيلاد أي مثل مزرعة لاستيلاد الحيوانات ... وهذا بهتان وافتراء.

لقد بدأنا منذ عهد "التنظيمات" نتلقى معلوماتنا حول الحريم لا من مصادرنا بل من المصادر الغربية. وكان هذا خطأ كبيراً. قبل أيام قلت لأحد الألمان: "اخرج إلى الأسواق وإلى المكاتب فستجد كثيرا من الأفلام والمسرحيات والكتب التي تحتوي على الروايات التي تورد قصص الحريم في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وحتى في الدول الآسيوية وتشرح أجواءها القذرة. ولكنك لن تجد قصة حريم واحدة قذرة أو خبراً عن حادثة فحش حدثت في حريم قصور السلاطين منذ فتح اسطنبول، أي طوال خمسمائة سنة، فضلاً عن حدوثها في التاريخ الأقدم. لم يسمع أحد بمثل هذه الحوادث لا بسبب صرامة التدابير المتخذة، بل لأن حوادث الفحش لم تحدث في الحريم عندنا".

لم تحدث هذه الفواحش ليس في حريم السلاطين فقط، بل حتى في حريم الأغنياء، لأن الحريم عندنا كان مثال العفة والطهارة، ويعكس الموقع المتميز للمرأة عندنا. المنكرون لفضائل تاريخنا حالوا بيننا وبين رؤية الجمال الذي يحفل به تاريخنا. والحقيقة أن التفريق بين أماكن اجتماع النساء واجتماع الرجال وعدم تجويز الاختلاط غير المشروع بينهما هو محاولة لوضع التوازن نتيجة الضعف الموجود في الرجل وفي المرأة. ولم يكن الحريم مكاناً مقدساً وذا حرمة فقط، بل كان حائلاً دون فساد العائلة ودون اختلاط الأنساب ومظهراً لروعة التقاليد الإسلامية–التركية. (المؤرخ إلهان مراد).

إن الحريم كان ركناً تفوح فيه رائحة الأزهار والورود وعطر الفضيلة والأخلاق. إن غرفة النوم عندنا مكان متميز، لأنها المكان الذي تتعين فيه الأنساب وتصان. والعائلة تتشكل هناك بكل سرها وخصوصيتها. لذا لا تفتح هذه الغرف للضيوف ولا يدعى إليها أحد. ليس الأجنبي فقط، بل حتى أفراد البيت الآخرون لا يدخلونها متى ما شاؤوا. وهي تحمل خصوصية إلى درجة أننا حسب التربية التي تلقيناها نرفض طلب من يريد تكريمنا ويعرض علينا النوم في غرفة النوم. وما الداعي إلى هذا مع أن الغرفة هي غرفة اعتيادية كسائر الغرف؟ إن معظم عاداتنا تختلف عن عادات الغرب. والأدب شامل عندنا حتى في هذا التفصيل الجزئي. والحريم بهذا المعنى لم يكن شيئاً خاصاً بالعثمانيين. فلكل واحد منا حريم في بيته. فالذي يريد نقد أجداده في هذا الخصوص ويرميهم بحجر إنما يرمي نفسه في الحقيقة.

الحريم لدى العثمانيين كان يحمل معنى أكثر خصوصية، وهو عدم السماح للجميع بالدخول إليه، وكذلك إحاطته بأسوار عالية كما هو ملاحظ في بعض القصور. فقصر "طوب قابي" مثلاً بناية كبيرة اتخذت فيه احتياطات لعزل قسم الحريم عن أنظار الأجانب حيث كانت ساكنات هذا القصر والجواري يستطعن التنزه والاستراحة والترفيه عن النفس ضمن الدائرة المشروعة في باحاته وحدائقه. وكانت الغاية من هذا التنظيم هي حفظ النساء والجواري من أن تقع عيونهن على شيء غير لائق. كانت هذه النساء والجواري يعشن حياتهن الاعتيادية وحياة اللهو ضمن الدائرة المشروعة .. لا ينظرن إلى الخارج ولا يرين سوى أزواجهن وحلائلهن ومحارمهن.

والحقيقة أن الرجال المنتسبين إلى القصر كانوا يعيشون الحياة نفسها، وكانت هذه الشروط منطبقة عليهم أيضاً. فهم أيضاً كانوا يعيشون حياتهم خلف أسوار القصر ويتمتعون بالمتع الحلال. فإن كان هذا العيش يعد أسراً في القصر فقد كان الرجال أيضاً أسرى. فإن كان هؤلاء المنتقدين ينتقدون هذا الأمر فأرى أنهم لا يعرفون ماذا ينتقدون. وإن كان النقد منصباً على كثرة النساء الموجودات في القصر فأمر يحتاج إلى بعض التفصيل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير