[صور من طلب العلم عند علماء الاندلس]
ـ[هيثم العبيدي]ــــــــ[29 - 08 - 09, 05:51 ص]ـ
هذا موضوع كنت قراءته فأحببت ان افيد منه الاخوه لما له اهميه في طلب العلم وهو من العجائب كم يقول الشيخ ابو غده رحمه الله.
وهو عن علماء الاندلس.
وقد نقلته من كتاب (صفحات من صبر العلماء عبد الفتاح ابو غدة)
وهو كتاب رائع ارجو من الاخوة اقتنائه.
والله الموفق هيثم العبيدي صور من طلب العلم عند علماء الاندلس:
الفقيه والعالم والمؤرخ (محمد بن فتوح المعروف ب الحُميدي الاندلسي ثم البغدادي تلميذ الامام ابن حزم الظاهري وتلميذ الحافظ الخطيب البغدادي المولود في الاندلس سنة 420 هجرية والمتوفي في بغداد سنة 488 هجرية. قال عنه الامير ابن ماكولا: لم ار مثل صديقنا الحُميدي في نزاهته وعفته وورعه , وتشاغله بالعلم , صنف (تاريخ الاندلس) وقال ابراهيم السلمسي: لم تر عيناي مثل الحُميدي في فضله ونبله , وغزارة علمه , وحرصه على نشر العلم. وقال يحيى ابن البناء: كان الحُميدي من اجتهاده: ينسخ بالليل في الحر , فكان يجلس في اجانة ماء – وهي اناء يغتسل فيه الثياب – يتبرد به. انتهى ورحم الله تعالىالقائل: ولا خير فيمن عاقهُ الحرُ والبردُ.
فهذا نموذج رائع واليك النموذج الثاني الذي هو كما قال كما قال ابو غدة: هو من اعجب الاخبار واغربها ولنستمع الة احداثها , فقد وقعت لعالم اندلسي ممن رحلوا من الاندلس الى المشرق , وقد رحل العالم من الاندلس الى المشرق على قدميه , ليلقى اماما من ائمته فأخذ عنه العلم , ولكنه حين وصل وجده محبوسا ممنوعا عن الناس فتلطف وتحيل حتى لقيه فأخذ العلم عنه , بصورة لاتخطر على البال لولا وقوعها والتاريخ ابو العجائب والغرائب. ذلكم العالم هو – الامام ابو عبد الرحمن بقي ُ بن مخلد الاندلسي الحافظ – ولد سنة 201 هجرية وتوفي سنة 276 هجرية رحمه الله تعالى , ورحل الى بغداد – على قدميه وسنه نحو عشرين سنة – وكان جل ّّّّبغيته ملاقاة الامام احمد بن حنبل والاخذ عنه.حُكي عنه انه قال: لما قربت من بغداد اتصل بي خبر المحنة التي دارت على احمد بن حنبل , وأنه ممنوع من الاجتماع اليه والاسماع منه , فاغتممت بذلك غماً شديدا , فاحتللت الموضع , فلم اعرج علي شيء بعد انزال متاعي في بيت اكتريته في بعض الفنادق , أن اتيت المسجد الجامع الكبير , وانا اريد ان اجلس الى الحلق وأسمع ما يتذاكرونه. فدُفِعتُ الى حلقة نبيلة , فاذا برجل يكشف عن الرجال , فيُضعّّفُ ويقويُ , فقلت من هذا؟ لمن كان قربي , فقال هذا يحيى بن معين , فرأيت فرجة قد انفرجت قربه فقمت اليه فقلت له: يا أبا زكريا رحمك الله , رجل غريب نائي الدار , أردت السؤال فلا تستخفني , فقال: قل , فسألته عن بعض من لقيت من اهل الحديث فبعضا زكى وبعضا جرح. فسألته في اخر السؤال عن هشام بن عمار , وكنت قد اكثرت من الاخذ منه , فقال: ابو الوليد هشام بن عمار: صاحب صلاة دمشقي ثقة وفوق الثقة , لو كان تحت ردائه كبر او تقلد كبرا ما ضره لخيره وفضله , فصاح اهل الحلقة: يكفيك رحمة الله عليك , غيرك له سؤال. فقلت وانا واقف على قدمي: أكشفك (بمعنى اسألك) عن رجل واحد: احمد بن حنيل؟ فنظر الي يحيى بن معين كالمتعجب وقال لي: ومثلنا نحن يكشف عن احمد بن حنبل؟ ان ذاك امام المسلمين وخيرهم وفاضلهم. ثم خرجت استدل على منزل احمد بن حنبل , فددلت عليه فقرعتُ بابه فخرج الي وفتح الباب , فنظر الى رجل لم يعرفه , فقلت: يا ابا عبدالله , رجل غريب الدار هذا اول دخولي هذا البلد , وانا طالب حديث ومقيد سنة – اي جامع سنة – ولم تكن رحلتي الا اليك , فقال لي: ادخل الاسطوان – يعني به الممر الى داخل الدار – ولا تقع عليك عين. فقال لي: واين موضعك؟ قلت: المغرب الاقصى , فقال لي: افريقية؟ فقلت ابعد من ذلك – اجوز من بلدي البحر الى افريقية – الاندلس , فقال: ان موضعك لبعيد , وما كان شيء احب الي من ام احسن عون مثلك على مطلبه , غير اني في حيني هذا ممتحن بما لعله قد بلغك , فقلت له: بلى قد بلغني وانا قريب من بلدك مقبل نحوك. فقلت: ابا عبدالله هذا اول دخولي , وانا مجهول العين عندكم فاذا اذنت لي ان اتي في كل يوم في زي السؤال , فاقول عند باب الدار ما يقولونه , فتخرج الى هذا الموضع , فلو لم تحدثني في كل يوم الا بحديث واحد لكان فيه كفاية , فقال: نعم , على شرط ان لاتظهر في الحلق ولا عند اصحاب الحديث , فقلت لك شرطك. فكنت اخذ منه عوداً بيدي , والف راسي بخرقة واجعل كاغدي – اي ورقي – ودواتي في كمي , ثم اتي بابه فأصيح: الاجر رحمكم الله. والسؤال هنالك كذلك فيخرج الي ويغلق باب الدار ويحدثني بالحديثين والثلاثة والاكثر , حتى اجتمع لي نحو من ثلاث مئة حديث. فالتزمت ذلك حتى مات الممتحن له , وولى بعده من كان على مذهب السنة فظهر احمد بن حنبل وسما ذكره , وعظم في عيون الناس وعلت امامته وكانت تضرب اليه اباط الابل , فكان يعرف لي حق صبري. فكنت اذا اتيت حلقته فسح لي وادناني من نفسه ويقول لاصحاب الحديث: هذا يقع عليه اسم طالب العلم , ثم يقص عليهم قصتي معه فكان يناولني الحديث مناولة , ويقرؤه علي واقرؤه عليه. وتوفي بقي بن مخلد سنة 276 هجرية بالاندلس رحمه الله تعالى.