فوائد من مجالس العلَّامةِ بَكر أَبُوْ زَيْدٍ، لعبد اللَّه الهدلق
ـ[مصعب الجهني]ــــــــ[30 - 08 - 09, 06:13 م]ـ
فَوَائِد مِن مَجَالِس شَيخِنا العلَّامةِ
بَكرِ بْنِ عبدِ اللَّه أَبُوْ زَيْدٍ
ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ
(صاحب طبقات النسابين)
للشَّيخِ عبد اللَّهِ بنِ عبد العزيز الهدلق ـ وفَّقهُ اللَّهُ تَعالى ـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تاللَّهِ تفتأُ تذكرُ الشَّيْخَ بَكرًا ..
نعم، ومالي لا أذكره، و ? إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ? [سورة يوسف، الآية: 86]
من فقده. أمّة يموت فيها العالم ثم لا يخلفه فيها غيره؛ ليست تسير على سواءٍ من أمرها ..
وإن كان عزاء، فإنما هو في أن هذا الموت يحيا به أقوام، وليس أحد أحق بأن يكون له
من معنى موته حياةٌ دونها الحياة؛ كعالمٍ ربّاني ..
لَن أترجم للشيْخِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُوْ زَيْدٍ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ فِي هَذا المَدخلِ فما كتبت لهذا، لكني سأتحسس بقلمي «شيئًا يسيرًا» من مكامن شخصيته، على أني أحاذر من أمرين لا يكاد يسلم منهما من يكتب عمن يعرف من العُلماءِ:
1ـ أحاذر ـ ما استطعت ـ أن أجعل كتابتي عَن الشَّيْخِ ذريعة للحديث عن نفسي.
2ـ ثُمَّ أحاذر ـ ثانيةً ـ أن أصف الشَّيْخِ بسبعة عشر وصفًا تصلح كلّها لكلّ عَالمٍ، ثُمَّ لا ترى فيها واحدًا منهم. إن سيرة بعض العلماء مخجلة!
ألقِ دينارًا في غَيابة تاريخٍ من تواريخنا؛ ثم ابتعد وانظر كم عمامة تسقط عليه؟
حين تتبين هذا تعرف قدر الشَّيْخِ يوم قَالَ لي مرةً:
حضر عندي قبل أيام أحد كبار النّاشرين ... ثم ذكر الشَّيْخ كلامًا قال في آخره: يريدون أن يجعلوا مني مطيةً لدنياهم، هيهات ...
كان الشَّيْخُ في عينيه قَدْحٌ من ذكاء الفطرة، يخيل إلي معه أن لو نشأ نشأة مدنيّة لعُدَّ في دهاة أهل السّياسة. الغَيرة حليةٌ جبل الشَّيْخ عليها، ومن لا غيرة عنده لا فضيلة فيه، هو غيور على دين الله أن يجترأ عليه، غيور على عقيدة السلف أن تمس، غيور على محارم المسلمين أن ينال منها، غيور على هذا العلم أن يتسوره من ليس من أهله. كان مهيباً لا يجسر محدثه على أن يحدق إليه، فإذا أنس بمحدثه تبسط له، فربما رأيته تهزه النادرة فيضحك لها حتى يكاد يخرج عن وقاره. تملَّكه معنى عزة العالم وصيانة العلم، وإنك لتستطيع ـ غير غالط ـ أن ترد أكثر ما كان فيه الشَّيْخ من نأي عن مخالطة النَّاس، وبعد عن غشيان محافل العامة إلى شيء من هذا .. بل ربما أسرف فيه ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ فخرج به إلى بعض ما تنكره نفس من لقيهُ أول مرة .. وما به إلا هذا المعنى: «رأى بعض أهل العلم أذال علمه فمقت نفسه أن يراها في صورته».
لا أذكر أن أحداً ممن عرفت من أهل العلم؛ تشدّه الفاردة اللطيفة، وتستهويه الشاردة الفاذّة؛ ما رأيت منه، نعم ومن شيخنا العلَّامة صَالِح بن عبد العزيز آل الشَّيخ أمدّ اللَّهُ في عمره على الخَيْر.
ذكرتُ للشَّيخِ بَكْرٍ مرة أن كرد علي قال في مذكراته: «ابن تيمية للإسلام كمارتن لوثر للنصرانية»؛ فدهش .. واستعاد الكلمة مني، ثم أخذ وجهه يتهلل في جَلالٍ من أَلَقٍ آخَذٍ لم أره في وجهِ فاترِ الذهن قط.
قال ابن حزم: «لذة العالم بعلمه».
جمعتني بالشَّيْخِ عدة مجالس في بيته، ودارت بيننا أحاديث كثيرة عن العلم وأهله .. لم أكن من خاصة تلاميذه، ولا من خلّص أصفيائه، وإنما كنت ـ ولا أزال ـ طويلب علم صغيراً أنِس به الشيخ لشيء راه فيه، ثم إن هذا الطّويلب عاد فأخلف ظن الأستاذ!
فيالله ماذا الأيام وما الذي تصنعه مآلات الأمور بنا؟
كنت ألقاه في الشَّهرين والثَّلاثة مرة أو نحوها مدة أربع سنوات، فلما مرض ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ انقطعت أسبابي عن أسبابه فما رأيته قبل وفاته بثماني سنين.
وهذا الّذي أذكره هُنا «شيءٌ» من فوائد تلك المجالس، ما كنت علّقت منه حرفًا في حياة الشَّيْخِ، لكن نبهني عليه وحثني على تقييده أخونا الشَّيْخُ البحاثة جديع الجديع ذخر اللَّهُ له كلّ خير.
¥