تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[أبوجهل .. الشخصية والنموذج]

ـ[محمد مبروك عبدالله]ــــــــ[03 - 09 - 09, 11:18 م]ـ

[أبوجهل .. الشخصية والنموذج]

بقلم الكاتب: د. نبيل فولي

مثَّلت شخصية عمرو بن هشام، أبي جهل، وما انتهت إليه حياته، انكسارَ أعنف النماذج الجاهلية أمام الإسلام، فقد عاش الرجل مع الإسلام نوعا غريبا من التكذيب، فكان يعرف صدق ما جاء به النبي (صلى الله عليه وسلم) ولكنه استكثر على نفسه أن يتبعه، ساقه إلى ذلك كِبر الجاهلية المتجذر في نفسه، ووضْعُه نفسَه في مقام مَن لا يجوز أن يكون تابعا لأحد، ويبقى متبوعًا سيدًا على الدوام. وقد سمى القرآن هذا الكبر «جحودًا»، وهو أن يعرف الإنسان الحق، ويأبى الاعتراف به واتباعه، فقد روى الحاكم بإسناد صححه، أن أبا جهل قال للنبي (صلى الله عليه وسلم): إنا لا نكذبك، ولكن نكذب ما جئتَ به، فأنزل الله تعالى {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} (الأنعام: 33). وفي رواية لابن أبي حاتم، قال أبو جهل: والله إني لأعلم أنه لَنبيٌّ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا؟! وتلا أبو زيد (الراوي) الآية السابقة.

وشبيه بهذا ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم!

لقد كان أبو جهل معجبا بالقرآن، ويراه من طبقة أرفع -بصورة مدهشة- من أفصح كلامهم، على الرغم من أنه بلُغَتهم ولسانهم، ويستعمل ألفاظهم نفسها، لكنَّ أبا جهل أبى أن يصرح برأيه في القرآن لأحد جهرًا، فكشفته أعماله وكلماته الخافتة، إذ خرج ليلة مستخفيا من قريش ليستمع إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) في داره وهو يقرأ القرآن، فجلس يستمع من الليل حتى أدركه الصبح، وتسلل عائدا إلى داره، فجمعته الطريق برجلين من قريش (أبو سفيان، والأخنس بن شريق) فعلا مثلما فعل من الاستماع للقرآن سرًا، فتعاهد الثلاثة على ألا يعودوا إلى الاستماع إلى القرآن، لكنهم رجعوا في الليلة الثانية، وجمعتهم الطريق، فتعاهدوا ثانية، وفعلوا مثل ذلك في الثالثة، وتلاوموا من جديد، وعزموا على عدم العودة، وراح الأخنس يسأل أبا جهل عن رأيه فيما سمع، فقال أبو جهل: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعَموا فأطعمنا، وحمَلوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رِهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه!

لقد كان سؤال الأخنس بن شريق عن القرآن، فغيّر أبو جهل الحديث إلى التنافس المحتدم منذ الجاهلية بين بني مخزوم وبني عبد مناف، فالقضية التي كانت تشغله هي قضية الشرف والمكانة، وأما القرآن فلا يستطيع أن يقول فيه شيئا يتنقصه به.

والذي لقَّب عمرو بن هشام بـ «أبي جهل» هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما يروي ابن حجر، ويرجع ذلك أساسا -فيما يبدو- إلى مواقفه الغريبة في مواجهة الإسلام، واتباعه أعنفَ سبل الجاهلية في تلك المواجهة، وليس إلى ضربه أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- بعنف شديد يوم الهجرة كما هو شائع؛ فهذا الحادث متأخر جدًا.

ومن صفات أبي جهل الجسدية القليلة التي عثرنا عليها، أنه كان خفيف الجسم، سريع الحركة، حاد الصوت، واضح الكلمات، قوي النظر، قويَّ ملامح الوجه، شديدَها.

يقول عنه العباس بن عبدالمطلب (رضي الله عنه): «كان رجلا خفيفا، حديد الوجه، حديد اللسان، حديد النظر».

وقد كان أبو جهل مقاربا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في السن والميلاد، فيروي ابن هشام في السيرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر أصحابه بالتماس أبي جهل في القتلى يوم بدر، وعرّفه لهم بأثر جرح في ركبته، أصابه عندما دفعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهما غلامان، فوقع على ركبتيه، وأصيب بجرح ترك أثرا.

إن المحرك الأساسي لعداوة أبي جهل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ودعوتِه هو ميراث التنافس الجاهلي المقيت، والكِبر المستكنُّ في نفس هذه الشخصية الغريبة، وقد كان يرى حوله كثيرًا من رجال قريش يطيلون قاماتهم بأعمال مجيدة يقومون بها، فكان ينافسهم ويجري معهم في هذا المضمار، حتى ذُكر كأحد رجال قريش المعروفين بإطعام الطعام وإكرام الحجيج، وبرز كواحد من شجعان قومه، حتى بلغت به شجاعته درجة التهور الذي أهلكه يوم بدر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير