تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعاد خطر البدو يظهر من جديد، بعد خروج المصريين من المنطقة، حيث تمرد الشيخ ابن رومي أحد شيوخ قبيلة حرب على الشريف محمد بن عون أمير مكة المكرمة في عام 1844م (1260هـ)؛ بسبب رفض السلطات العثمانية دفع الإعانة المالية له، التي كان يأخذها مقابل عدم اعتدائهم على القافلة أثناء مرورها من منطقتهم، واستطاعت القوات العثمانية هناك القضاء على تمرد ابن رومي؛ وذلك بتدبير خدعة له ولرجاله من قبل الشريف محمد بن عون، تمثلت بأن يقوم ابن رومي بحماية مبنى قلعة رابغ ومستودع الذخيرة الملحق بها، مقابل تقديم الإعانات المالية التي كان يطالب بها، وبعد أن قبل هؤلاء بالعرض، قبضت عليهم قوات العثمانيين هناك، وكان عددهم (25) رجلا (21). كانت قبائل الشام كبني صخر على علاقة حسنة مع الحكومة العثمانية، خاصة بعد انتهاء الحكم المصري في بلاد الشام؛ فالرحالة الفلندي جورج أوغست فالين ( G. Au.Vallin) الذي مرّ بمنطقة شرقي الأردن في عام 1845م (1261هـ) لحظ هذا الأمر من خلال استفادة هذه القبائل من موسم الحج، خاصة عندما كانت القافلة تمكث في معان أربعة أيام؛ فتتجمع هذه القبائل عند ذلك للشراء والبيع، والمقايضة مع الحجاج، كما لحظ فالين أن بعض البدو كانوا يقدمون الماء العذب المتوافر في عين "بخاصة" للحجاج، مقابل مبالغ معينة (22).

وعادت الحكومة العثمانية إلى استخدام سياسة القوة في التعامل مع القبائل البدوية، ففي عام 1867م (1284هـ) قام والي دمشق رشيد باشا بحملة ضد قبائل شرقي الأردن في (الشمال والوسط) كبني صخر للقضاء على قوتهم، والحد من خطرهم تجاه القافلة، حيث أصبحوا يشكلون تهديدا لسلامة الحجاج. ورغم إجراءات الدولة السابقة إلا أن بني صخر ظلوا يفرضون مطالبهم على الدولة، التي كانت تضطر لتنفيذها، تفادياً لأية مواجهات معهم، قد تؤدي إلى تهديد سلامة الحجاج أثناء مرورهم بالمنطقة (23).

كما عادت الحكومة العثمانية إلى استخدام أسلوب الحرمان من جديد للضغط على بني صخر، حيث قررت حرمان شيخها فندي الفايز من امتياز حماية طريق الحج بعد عام 1868 - 1869م (1285هـ)؛ إذ استغلت موضوع نهب قبيلتي بني صخر والعدوان لمنطقة الرمثا؛ لأن أهلها رفضوا دفع الخوة "الخاوة" لهاتين القبيلتين (24). كما سيَّر والي دمشق محمد رشيد باشا قوة مؤلفة من كتيبة مشاة، و (600) جندي غير نظامي، و (800) فارس تحت قيادة شيخ عشيرة ولد علي، كما شارك إسماعيل الأطرش ومعه (160) درزياً في الحملة، لإخضاع بني صخر والعدوان، ونتيجة لتطور الأوضاع فقد طلب شيخ العدوان علي الذياب الأمان مقابل دفع (25) ألف قرش، كما وقف إلى جانب العثمانيين ضد بني صخر.

وبالمقابل تحالف بنو صخر مع بني حميدة للدفاع عن أنفسهم، لكن القوة العثمانية سيطرت على مصادر "منابع" الماء الرئيسة لبني صخر؛ فقام الشيخ فندي الفايز بطلب الأمان من المسؤولين مقابل أن يدفع مبلغ (200.000) قرش؛ بالإضافة إلى وضع أحد أبنائه رهينة لدى السلطات العثمانية، والتخلي عن امتياز تأمين قافلة الحج، وكان هذا الإجراء مؤقتاً؛ إذ بعد هذه الحادثة تحول امتياز نقل الحجاج من بني صخر إلى عشيرة ولد علي، الذين هزموا بني صخر، وأخذوا منهم ألفي رأس غنم، وثلاثمئة جمل (25). وعلى الأرجح أن عشيرة ولد علي هزموا بني صخر في عام 1869م (1286هـ)، في منطقة شرقي الأردن. لقد طرأت أمور عدة فيما يتعلق بقافلة الحج في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أبرزها؛ تحول طريق سير عدد من الحجاج إلى الطريق البحري بدلاً من الطريق البري، بعد فتح قناة السويس عام 1869م (1286هـ)؛ أما الأمر الآخر فهو التبدّل الذي حدث في إمارة القافلة؛ إذ تمَّ الفصل ما بين منصب ولاية دمشق ومنصب إمارة القافلة، فلم يعد والي دمشق يقود القافلة بعد عام 1871م (1288هـ)، حيث أسندت مهمة قيادة القافلة لأشخاص آخرين؛ ليتفرغوا إلى مهام القافلة وشؤون الحجاج.

فقد كان والي دمشق يقوم بمهام ولاية دمشق مضافا إليها حماية القافلة، وتسييرها إلى الأماكن المقدسة لحين عودتها إلى دمشق؛ لذلك فضلت الدولة العثمانية فصل المنصبين عن بعضهما. ولكن رغم هذه التحولات، إلا أن بعض القبائل البدوية كبني صخر، استمرت تقدّم الجمال للقافلة، بل إن علاقة شيخها فندي الفايز مع الدولة العثمانية قد تقوّت بعد عام 1871م (1288هـ) بهدف الحصول على الأموال من العثمانيين؛ إذ لحظ الرحالة ترسترام ( Tristram)، أثناء مروره بمنطقة شرقي الأردن في شباط (فبراير) عام 1872م (ذي القعدة 1288هـ)، أن فندي الفايز سار مع القافلة من حوران حتى الكرك، لمدة ستة أيام، حيث كان فندي الفايز ملتزما بتوفير (700) هجان لنقل الحجاج وحراستهم (26). وكانت الدولة العثمانية حريصة على سلامة القافلة؛ لذلك اهتمت بمسألة الضغط على القبائل البدوية، والحد من قوتها؛ إذ كانت تتحين الفرص لتطبيق ذلك؛ ففي عام 1873م (1290هـ) قام متصرف نابلس بحملة ضد القبائل البدوية في البلقاء والكرك ومعان لتحقيق هذا الهدف (27)، ولإخضاع قبيلة بني صخر بالذات، التي تعهد زعماؤها بحماية الحجاج من الأخطار، ونقلهم على الجمال، التي كانت تستأجرها الحكومة العثمانية من بني صخر (28).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير